متحف النحل بسلا.. فضاءا تربوي وإيكولوجي على الصعيد الافريقي
تم مؤخرا بمدينة سلا، وتحديدا بمنطقة الولجة، إنشاء متحف للنحل يحمل اسم "متحف النحلة النشيطة- خلية العلوم" الذي يعد فضاءا تربويا وإيكولوجيا فريدا من نوعه على الصعيد الوطني، بل وعلى الصعيدين العربي والإفريقي، بما يمنحه لزواره من تجربة غنية بالمتعة والمعرفة.
ويندرج إحداث هذا المتحف، حسب مؤسسيه، في إطار المبادرات الرامية إلى التحسيس بالدور الحيوي للنحل في الحفاظ على التوازن البيولوجي والنظم الإيكولوجية التي تعتمد عليها الزراعة على كوكب الأرض، حيث يرجع له الفضل (إلى جانب ملقحات أخرى مثل الفراشات والخفافيش والنمل) في تلقيح نحو سدس النباتات المزهرة في العالم، وحوالي 400 نوع زراعي من مختلف المحاصيل الغذائية التي يعتمد عليها البشر في نظامهم الغذائي.
يتألف متحف النحلة النشيطة من عدة أجنحة تأخذ الزائر في رحلة عبر عالم النحل المليء بالأسرار، وتقدم معلومات قيمة عن حياة هذه الحشرة وأنواعها وطرق تربيتها. وقد تم توزيع مرافق المتحف ومقتنياته بطريقة موسوعية وأسلوب تدريسي يجمع بين ما هو نظري وما هو تطبيقي.
ويحتوي أحد هذه الأجنحة على ملصقات ولوحات تقدم معلومات قيمة عن تاريخ تواجد النحل وفصائله ودوراته البيولوجية وتركيب أجهزة جسمه وحواسه التي يعتمد عليها، وكذلك التقسيم الدقيق للمهام والأدوار بين مجموعات النحل داخل الخلية الواحدة.
ولإشباع الفضول المعرفي للزوار صغارا وكبارا، يقدم المتحف فرصة فريدة لمعاينة عن قرب ما يجري داخل خلية النحل بفضل ثلاث خلايا شفافة، منها مربعة الشكل والأسطوانية، تضم كل واحدة منها فصيلة مختلفة من النحل، ويمكن من خلالها رؤية النحل منهمكا في أداء وظائفه من إنتاج العسل وتربية الصغار وصناعة الشمع وتبريد الخلية وتنظيفها وحراستها وفق أدوار محددة بشكل دقيق لكل مجموعة.
ويوجد في المتحف جناح آخر يحتوي على مجموعة من الأدوات التي تستخدم في تربية النحل، وتعكس هذه الأدوات التي تنتمي لحقبات مختلفة اهتمام البشر على مر التاريخ بالنحل والحرص على الاستفادة من منتجاته، كما يوفر لزواره كتبا ومؤلفات لأدباء وعلماء ورد فيها وصف النحل، مثل كتاب "تاريخ الحيوانات" لأرسطو، أو كتاب "الحيوان" للجاحظ.
وإذا كنت من محبي تناول العسل، فقد تجد ضالتك في هذا المكان الذي يضم بين جنباته ركنا صغيرا يقدم تشكيلة متنوعة من منتجات النحل من عسل وحبوب لقاح وغيرها من المواد الغذائية والمستحضرات العلاجية والتجميلية التي تغطي مداخيلها تكاليف تسيير المتحف والحفاظ على استمراريته. بالإضافة إلى ذلك، يوجد مختبر صغير لتحليل العسل لمعرفة نوعه ومكوناته، وهي معلومات مهمة يحتاج لمعرفتها مبتاعو العسل حتى لا يكونوا عرضة للخداع من قبل باعة العسل المزيف.
ويعرف المتحف إقبالا متزايدا من الزائرين رغم حداثة عهده، ويعد فضاء بيئيا صديقا للأطفال والتلاميذ الذين يأتون رفقة عائلاتهم أو في إطار خرجات مدرسية تربوية وترفيهية تفتح لهم أبواب عالم جديد مليء بالأسرار والمعلومات القيمة، وتساهم في صقل شخصيتهم وغرس قيم حب المعرفة والحفاظ على البيئة في نفوسهم.
ويتم في هذا الصدد، تنظيم دورات تدريبية في تربية النحل تشمل حصصا نظرية وتطبيقية يشرف عليها مؤسس المتحف الذي راكم تجارب طويلة ومختلفة في دراسة الجيوكيمياء والأسس المنهجية لتدريس النشاط العلمي.
ورغم المساحة المحدودة التي يشغلها، يزخر متحف النحل بكنز معرفي كبير يجعل منه أيقونة تربوية وبيئية تنضاف إلى المعالم الأخرى التي يحظى بها المغرب في مختلف مجالات العلم والمعرفة، وتبرز الفائدة الكبيرة التي يمكن أن تجلبها بعض المبادرات الفردية البسيطة، والتي لا تتطلب موارد كبيرة لتحقيقها.