أخبار الدارسلايدر

هل وصل العدوان على قطاع غزة إلى نقطة اللاعودة؟

الدار/ تحليل

من الواضح أن العدوان الغاشم على قطاع غزة قد بلغ أقصى درجات الوحشية والتدمير والإبادة. تجاوز عدد القتلى أكثر من 38 ألف شخص بينما هناك عشرات الآلاف من الجرحى، ناهيك عن نسبة دمار البنية التحتية والمباني التي تجاوزت 80 في المائة. لقد عاد قطاع غزة إلى العصر الحجري مثلما هدد بذلك قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر، ومثلما يكررون هذا التهديد مرة أخرى ضد لبنان، مع استمرار هجمات حزب الله. فهل يمكن أن تؤدي سياسة الأرض المحروقة التي نهجتها إسرائيل إذاً حتى اليوم إلى تحقيق الأهداف المعلنة أم أنها قد تفضي إلى نتائج عكسية؟
من الواضح أن الصمود الذي يبديه سكان قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية أسطوري بكل المقاييس. لا يوجد شعب في العالم يمكن أن يتحمّل ما تحمّله سكان القطاع منذ 7 أكتوبر من قصف وإبادة وتجويع وعطش وافتقاد لأبسط مقومات الحياة. ملايين الفلسطينيين يعيشون اليوم في العراء والمخيمات، تحت درجات حرارة مرتفعة وفي ظل ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير إنسانية بالمرة. قد تبدو هذه الصورة القاتمة والمأساوية انتصارا مطمئناً للإسرائيليين، لكن لماذا يتباكون إذاً في الاحتجاجات اليومية المطالبة بعقد صفقة مع حركة حماس وفصائل المقاومة لاستعادة الأسرى؟ وما سر هذه الرجة السياسية التي تعيشها البلاد وتفضي بين الحين والآخر إلى استقالة مسؤولين كبار على غرار الوزير في حكومة الحرب بيني غانتس؟
يهدد المسؤولون الإسرائيليون كل يوم بأن الحرب ستستمر حتى تحقيق أهدافها. أي اجتثاث حركة حماس والقضاء على قدراتها العسكرية وتسليم القطاع إلى سلطة سياسية أخرى. ومن يتأمل الخطاب السياسي الذي يقدمه هؤلاء المسؤولون قد يتوهم للحظة أن إسرائيل قادرة فعلا على الاستمرار في هذه الحرب إلى ما لا نهاية، وأنها مهيأة بكل مقومات الاستمرارية والإصرار حتى تحقيق هذه الأهداف. لكن من الواضح أن هذا مجرد وهم، فالمخاض الذي تعيشه البلاد داخليا والصراع الشرس الذي يدور اليوم بين مختلف الفرقاء السياسيين والمؤسسة العسكرية وفئات المجتمع الإسرائيلي المتضررة غير مسبوق ويشبه إلى حد كبير أجواء الاحتقان التي سبقت اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين.
وإذا كان الضرر الذي لحق بالمدنيين الفلسطينيين كبير جدا إلى درجة لا يمكن تخيّلها، فإننا نلاحظ في المقابل تماسكا غير مسبوق في الصف الفلسطيني سواء في القطاع أو الضفة الغربية. على الرغم من الدماء والأشلاء والشهداء من الأطفال والنساء، يُظهر الفلسطينيون وحدة في الخطاب والمواقف تكاد تكون غير مسبوقة بكل المقاييس. ما الذي يجعل كهلا يفقد كل أطفاله وأفراد أسرته يصرح أمام الكاميرات بهدوء وإصرار بأن هذه التضحيات فداء لفلسطين والمقاومة وأنها أقل ما يمكن تقديمه؟ هل يمكن لجيش الاحتلال الإسرائيلي أن يهزم شعبا يؤمن بهذه القناعة؟ هذا أمر صعب للغاية. على إسرائيل أن تكون مستعدة لضرب غزة بقنبلة نووية على ما يبدو إذا كانت ترغب فعلا في قهر إرادة الفلسطينيين.
في هذا السياق يبدو أن الحرب قد وصلت نقطة اللاعودة من الطرفين. من ناحية بنيامين نتنياهو لا يمكن أبدا التراجع عن الحرب دون تحقيق انتصارات ولو شكلية وصغيرة مثل اغتيال قادة كبار في حماس أو أسرهم أو تدمير شبكة الأنفاق أو تحرير المزيد من الأسرى. وهذه الأهداف تظل على ما يظهر بعيدة المنال، وما لم يتحقق على مدار أكثر 8 أشهر من القصف والتدمير لا يمكن أن يتحقق اليوم بعد أن وصلت الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي إلى أدنى مستوياتها، وأصبح تجنيد المزيد من المتطوعين للقتال أمرا صعبا للغاية. ومن ناحية حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية لا يمكن أيضا التفكير في وقف الحرب أو الاستسلام على الرغم من التضحيات الجسام والخسائر الفادحة التي تطال كل يوم المدنيين الفلسطينيين. لا مجال للاستسلام في الوقت الحالي لأن ذلك سيعني ببساطة إنهاء وجود الحركة في قطاع غزة والضفة الغربية أيضا، والانتقال إلى مرحلة تاريخية مغايرة تماما لما سبق. هذا يعني أن العدوان في قطاع غزة والحرب الدائرة هناك قد وصلا على ما يبدو إلى نقطة اللاعودة.

زر الذهاب إلى الأعلى