لماذا قاطع الشعب القبائلي زيارة الرئيس الجزائري؟
الدار/ تحليل
شعب القبائل الحرّ الأبيّ كان في الموعد اليوم عندما قرر سكان منطقة تيزي وزو مقاطعة مشاهد ومحطات الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، واضطرت السلطات الجزائرية وفقا لبعض النشطاء إلى استقدام بعض المواطنين من خارج الولاية، وحشدهم في طريق الرئيس وتنظيم تمثيلية مكشوفة أثارت الكثير من السخرية والتهكم. هذا الحدث مربك ومزعج جدا لنظام الكابرانات الذي قرر إطلاق حملة انتخابية سابقة لأوانها تمهيدا لإعادة انتخاب الرئيس الحالي ومنحه عهدة رئاسية ثانية على طبق من ذهب. وزيارة ولاية تيزي وزو محطة أساسية وحساسة بالنسبة إلى النظام الذي يحاول إخفاء الحقيقة الساطعة في المنطقة.
هذه الحقيقة ببساطة هي تطلع الشعب القبائلي إلى الحصول على استقلاله وسيادته، والتمتع بحقه في الحكم الذاتي على الاقل. وهي مطالب تخترق بالمناسبة فئات عريضة من سكان المنطقة الأمازيغية التي يقطنها أحد أعرق شعوب المنطقة. ربما توهّم تبون أن سكان تيزي وزو الأحرار كانوا سيستقبلونه بالزغاريد والورود والأهازيج، علما أنه لم ينجز شيئا يذكر لأهلها. فهُم على غرار سكان المناطق الأخرى يعانون الأمرين من أجل الحصول على الاحتياجات الأساسية من الماء والحليب والمواد التموينية، وتنضاف إلى ذلك معاناتهم من معضلة الإقصاء السياسي والثقافي لرافد أساسي وتاريخي من روافد المنطقة. ولعل فضيحة زيارة تيزي وزو تؤكد لبعض نخب الكابرانات وأبواقهم الإعلامية أن حركة المطالبة باستقلال القبائل ليست مجرد جماعة معزولة في المنفى كما يروجون.
رغبة الشعب القبائلي في التحرر من هيمنة العسكر ليست مجرد مطلب حركي يرفعه نشطاء حركة الماك المضطهدة، بل هو فكرة تسكن قلوب القبائليين الغاضبين منذ زمن طويل على الإقصاء والتهميش الذي يتعرض إليه أبناء المنطقة. وما تزال حرائق الغابات التي أودت بحياة العشرات من القبائليين قبل بضع سنوات مأساة تذكر السكان أن النظام الغني القادر على إنفاق أموال الجزائريين في شراء السلاح لم يكن يرغب في اقتناء طائرة إطفاء واحدة لإنقاذ أرواح الأبرياء. قضى الكثير من هؤلاء القبائليين بسبب عجز مقصود لدولة تستثمر أموالهم ومقدّراتهم في حروب وصراعات جانبية لا ناقة ولا جمل لهم فيها.
ولعل بلاغة الرسالة التي بعثها القبائليون اليوم إلى هذا النظام تستمد قيمتها وقوتها من كونها ردا على الثنائي الذي يمثل النظام العسكري. لم يكن تبون وحده في هذه الزيارة بل كان إلى جانبه اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة، الذي يمثل الوجه الآخر لعملة التحكم والدولة الفاشلة في الجزائر. والأهم من هذا وذاك أن تيزي وزو تعتبر تاريخياً معقل المقاطعة الانتخابية في الجزائر، وإذا كان هذا النظام مضطراً إلى حشد المواطنين والجماهير من ولايات مجاورة لإظهار شعبية مصطنعة أمام الكاميرات فهذا يعني أنه متخوف إلى أبعد الحدود من احتمالية تكرار هذا الموقف الصارم تجاه الانتخابات التي ينظمها نظام فاسد تعود على تزوير النتائج وفرض الرؤساء والمرشحين.
والذي يؤكد هذا الخيار المحتمل هو أن زيارة تبون إلى المنطقة لم تخرج مرة أخرى عن دائرة التسابق المتشنج مع المغرب، بدلا من الانشغال بالحيثيات الداخلية والأولويات الوطنية. المنشأة الوحيدة التي دشنها الرئيس الجزائري خلال زيارته إلى المنطقة هي ملعب مدينة تيزي وزو، الذي يعد جزءاً من سلسلة الملاعب التي أنفق عليها النظام أموال طائلة بالمليارات في إطار تنافس مع المغرب للحصول على تنظيم بعض الاستحقاقات الرياضية الإقليمية والقارية، وانتهى كما هو معروف بإقصاء الجزائر من تنظيم كأس إفريقيا الماضية وإسنادها إلى دولة ساحل العاج، وإسناد البطولة المقبلة إلى المغرب. صحيح أن الملاعب الرياضية تعد أيضا من بين المشاريع المهمة التي يجب على الحكومات والدول أن تهتم بها، لكن هل تمثل في الوقت الحالي أولوية بالنسبة للشعب الجزائري الذي يعاني العطش ونقص المواد الأساسية وغياب الأفق الاقتصادي الواضح؟