4 أزمات تنخر تنظيم جبهة البوليساريو وتسرّع وتيرة انهياره
الدار/ تحليل
انشقاق 100 عنصر مسلح من ميليشيا البوليساريو بمنطقة الرابوني وتسليم معداتهم وآلياتهم العسكرية إلى وزارة دفاع الدويلة الوهمية يمثل إشارة ملموسة دالة على أن التنظيم الانفصالي الذي صنعته الجزائر يحتضر وفي طريقه إلى الانهيار. بل يمكن القول إنه تنظيم منهار منذ سنوات لكنه يعيش فقط في بعض الشعارات ووكالة الأنباء الجزائرية وبعض الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي. تمرد هذا العدد الكبير من العناصر الذين يُفترض أنهم ينتمون إلى مؤسسة عسكرية يحكمها الضبط والنظام، وتديرها تحت قيادة عسكرية موحدة يؤكد أن الغليان الذي تشهده المخيمات ليس مجرد حالات معزولة لبعض الغاضبين الذين يئسوا من الأوهام الجزائرية، بل يتعلق الأمر بأزمة حقيقية يعيشها هذا التنظيم.
ولعل مظاهر هذه الأزمة بعد مرور عقود طويلة على تأسيس هذه المنظمة الانفصالية في سياق الحرب الباردة تنحصر في 4 أوجه أساسية. هناك أولا أزمة أيديولوجية ومرجعية واضحة. لقد انهارت الأطروحة الماركسية التي قام على أساسها هذا التنظيم، ولم يعد لها أي قوة أو تأثير سياسي إلا في بعض الأنظمة السياسية المغلقة والمعدودة على رؤوس الأصابع مثل كوريا الشمالية وكوبا. لقد كانت هذه المرجعية الشيوعية اليسارية تبرر تعبئة المقاتلين وتجنيد الشباب وتعطيهم على الأقل وهما سياسيا يتشبثون به ويحاولون من خلاله تبرير انخراطهم في هذا التنظيم، ورغبتهم في حمل السلاح. واليوم تعدّ جبهة البوليساريو مجرد تنظيم موروث عن حقبة أيديولوجية خلت.
الوجه الثاني لأزمة تنظيم البوليساريو هي أزمة الأجيال، أو بعبارة أدق أزمة الفجوة بين الجيل المؤسِّس للوهم والجيل الذي تمت تنشئته على هذا الوهم. لقد تلقى الجيل الشاب في المخيمات أطروحة الدولة الوهمية باعتبارها عقيدة “وطنية” مزعومة، وكان يتعرض لغسيل الدماغ السياسي والإيديولوجي على أساس أنه يدافع عن فكرة قابلة للتحقق وقريبة من الواقع. لكن كلما طال زمن الوهم تراجع وهج الفكرة وقوتها. وبما أن تنظيم البوليساريو لم يستطع تشبيب قيادته وظلت مواقع المسؤولية فيه مجرد مناصب للريع الذي يجنيه جيل إبراهيم غالي، فمن المؤكد أن الفجوة زادت اتساعا، ولم يعد لهذا التنظيم أيّ قدرة اليوم على إقناع الأجيال الشابة من المحتجزين بهذا الوهم المصطنع، ولا سيّما في زمن مواقع التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصال.
هذه الأزمة المرتبطة بالأجيال متفرعة عن أزمة أخرى لا تقل خطورة تنخر جسد هذا التنظيم. إنها حقيقة غياب القواعد الاجتماعية التي تمثل أساس بناء الدول واستمرار الحكومات والقيادات. أبناء الصحراء المغربية مستقرون في مناطقهم الأصلية بالأقاليم الجنوبية، وينعمون فيها بثمار التنمية والتطوير التي حولت مدن الصحراء المغربية إلى نماذج تحتذى في هذا المجال. هذه القواعد التي كانت تعول جبهة البوليساريو على تعبئتها غير مقتنعة بتاتا بالوهم الانفصالي، وهي متشبثة إلى أبعد مدى بالحقيقة الوحدوية والانتماء الصادق والأزلي إلى المملكة. القواعد الاجتماعية التي يمتلكها تنظيم البوليساريو قائمة على جماعة من المرتزقة القادمين من بلدان الجوار، وبعض المحتجزين الذين فُرض عليهم طوق أمني مشدد من السلطات الجزائرية.
وللجزائر أيضا علاقة مباشرة بالوجه الرابع لهذه الأزمة التي تجهز على هذا التنظيم. إنها أزمة العجز عن تحقيق حد أدنى من الاستقلالية عن القرار الأمني الجزائري. لقد كان بالإمكان أن يتحول هذا التنظيم إلى شريك في المفاوضات التي أطلقتها الأمم المتحدة في مانهاست بضاحية نيويورك في سنة 2007 ويغتنم فوائد ومزايا مبادرة التفاوض حول الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب. لكن الارتباط العضوي بالمخابرات والعسكر في الجزائر لم تسمح لهذا التنظيم بالانسلاخ وبناء أفق سياسي جديد ومساير للتحولات الدولية والإقليمية. إبراهيم غالي ورفاقه يدركون أن الاستقلال وتأسيس الدولة الصحراوية المزعومة أصبح بالتأكيد وهما وسرابا لا شك فيه. وهم أكثر من يعرف أن الصحراء لا يمكن أبدا أن تخرج عن دائرة السيادة المغربية، انطلاقا من المعطيات الواقعية والتاريخية والديمغرافية والسياسية والثقافية. ما تشهده الجبهة الانفصالية إذاً من انشقاقات وصراعات وتمردات داخلية ليس سوى انعكاس لهذه الأزمة الرباعية، التي ستفضي لا محالة إلى انفجار كلي وإعلان موت هذه الأسطورة.