نجاح أسود الأطلس يثير التساؤل حول مسار باقي الأصناف الرياضية
الدار/ تحليل
ما زلنا غارقين في نشوة الإنجاز الذي حققه أسود الأطلس في مونديال قطر 2022، لكننا نعيش اليوم نشوة إنجاز كروي جديد تحققه الكرة الوطنية في أولمبياد باريس 2024. لقد عوّدنا الأسود على الانتصارات والإنجازات ولم نعد نقبل باعتبارنا جمهورا رياضيا مشاركة مغربية خارج المربع الذهبي. النقطة الوحيدة المضيئة إلى حدود الساعة في مشاركة الرياضة الوطنية بالأولمبياد هي هذه التي يرسمها أشبال السكتيوي وهم يرسمون البهجة والفرح في وجوه الجماهير المغربية خلال كل مباراة يجرونها. إنهم محاربون حقيقيون لا يكتفون بتحقيق النتيجة فقط، بل يحرصون أيضا على الأداء والفرجة، ويقدمون نموذجا كرويا متميزا.
لأول مرة منذ فترة طويلة تسعد كرة القدم الوطنية ببلوغ المربع الذهبي في الألعاب الأولمبية، وتنعش آمالنا كمغاربة في حصد ميدالية من الميداليات ودخول تاريخ الكرة العالمية من بابه الواسع. ما الذي جعل هذا الفريق يتمتع بهذا القدر من الفعالية والقوة؟ لا شك أن المزيج الذي صنعه المدرب بين الأجيال من اللاعبين خارج السن القانوني مثل حكيمي والحارسي المحمدي واللاعبين الشباب أمثال أخوماش وريتشاردسون وغيرهما يمثل سر هذا النجاح. هناك تناغم كبير بين العناصر الوطنية تجسده العمليات المنسقة التي يقوم بها المنتخب ولا سيّما خلال التنشيط الهجومي، حيث يستمتع الجمهور في كل مرة يخوض فيها المنتخب الوطني هجمة ما بالمثلثات والثنائيات التي يتبادلها اللاعبون. هناك خلطة سحرية أخرى يجب ألّا نتجاهلها وهي المزاوجة بين المواهب الوطنية التي نشأت في الأندية المغربية والمواهب من أبناء الجالية المغربية المقيمة في الخارج، وهي بالمناسبة نقطة مفصلية في هذا النجاح.
ومن المؤكد أن جودة اللاعب المغربي حاسمة في هذا الأداء. جل اللاعبين قادمون من أكاديميات رياضية أوربية محترفة ومرموقة على الصعيد العالمي، ومن الواضح أنهم تلقوا خلال مسيرتهم الكروية تكوينا رفيعا هو الذي أهلهم للظهور بهذا المستوى الكبير. سواء تعلق الأمر بصناعة الهجمات أو التحول من الدفاع إلى الهجوم أو الالتزام التكتيكي نلاحظ كيف يعبر اللاعبون المغاربة عن قدر عالٍ من الاحترافية التي لا نراها إلا لدى اللاعبين في الأندية الأوربية الكبيرة. إننا محظوظون تماما بهذا الجيل من اللاعبين الذين أبوا إلا أن يصنعوا هذا المجد، وتظهر عليهم علامات الشغف والتعطش الشديد إلى الألقاب. هكذا قالها المحمدي بلهجته البسيطة حينما وصف زملاءه بأنهم “جائعون”.
لكن الأكثر تأثيرا من جوع الكرة هو روح الانتماء القوية التي تربطهم ببلدهم وراية وطنهم. نحن نلمس في كل ما يقدمونه في شتى المباريات رغبة عارمة في التفوق وتحقيق الفوز ورفع الراية الوطنية في هذا المحفل الدولي، الذي ليست لدينا فيه حظوظ كبيرة من أجل الحصول على ميداليات، غير فرصة كرة القدم أو فرصة أخرى في ألعاب القوى. لذلك سيكون من الرائع جدا أن يقدم أسود الأطلس للمغرب والمغاربة الميدالية الذهبية في صنف كرة القدم، ويسهموا على الأقل في إنصاف الرياضة الوطنية، التي لم تستطع للأسف في أصناف أخرى أن تبني منظومات فعالة وذات كفاءة قادرة على التطور والإنجاز وتحقيق الألقاب.
ومن المؤكد أن هذه المنظومة التي يشرف عليه رجل أثبت كفاءته مثل فوزي لقجع تقدم اليوم نموذجا عمليا لباقي الجامعات الوطنية في الأصناف الرياضية الأخرى. وهنا لا بد من التساؤل: لماذا لا تقتدي هذه الجامعات في الرياضات الفردية أو الجماعية الأخرى بالجامعة الملكية لكرة القدم وتحاول بناء منظومة أكثر تطورا وقدرة على تحقيق الإنجازات الرياضية القارية أو الدولية؟ لقد حان الوقت كي ننقل هذه الخبرة الكروية النموذجية إلى رياضات مثل كرة اليد أو الكرة الطائرة أو كرة السلة، أو حتى بعض الرياضات الفردية مثل التنس أو سباق الدراجات أو السباحة. فالاستثمار في الرياضة ليس ترفا أبدا، بل هو رهان على المستقبل وعلى بناء الإنسان الكفء والمثالي القادر على تمثيل بلاده عبر العالم أحسن تمثيل، والإسهام في تعزيز السمعة الطيبة للمغرب.