لماذا يصر النظام الجزائري على زعزعة استقرار مالي ودول الجوار؟
الدار/ تحليل
الجدال الذي نشب بين الممثل الدائم لدولة مالي في الأمم المتحدة ونظيره الجزائري على خلفية النقاش حول ذكرى اتفاقية جنيف يؤكد مرة أخرى بالملموس أن النظام الجزائري مصرّ على دعم الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، واستمرارها بل توسّعها. مناط هذا الاستنتاج هو أن السفير الجزائري استنكر في مداخلة له أمام الهيئة الأممية تدخل الجيش المالي الذي يمارس سيادته الدفاعية على مختلف أقاليم البلاد ضد جماعات إرهابية مسلحة تنشط في شمال البلاد على الحدود مع الجزائر، وأطلق اتهاما جزافيا قال فيه إن الجيش المالي تدخل بطائرات مسيرة وقصف مناطق معينة مما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين. لم يتأخر رد السفير المالي الذي أوضح لنظيره الجزائري أمام مندوبي العالم أن الأمر يتعلق بدفاع مشروع عن وحدة البلاد ضد جماعات إرهابية.
لماذا يضع سفير الجزائر نفسه في هذا الموقف المحرج في اجتماع من اجتماعات الأمم المتحدة؟ ادعاءات المسؤول الجزائري خلال المائدة المستديرة حول الذكرى الخامسة والسبعين لإقرار اتفاقية جنيف حول قوانين الحرب ليس لها سوى تأويلان أحدهما أكثر شرا من الآخر: التفسير الأول هو أن النظام الجزائري لا يريد أن تمارس دولة مالي سيادتها الشرعية على أقاليمها الشمالية وتحارب هناك الجماعات الانفصالية والإرهابية المسلحة، التي تحاول إغراق البلاد في مسلسل من الدماء وعدم الاستقرار. وهذا التفسير وحده يمثل تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لبلد يتمتع باستقلاله وسيادته. والتفسير الثاني هو أن النظام الجزائري يروج ببساطة الدعاية التي تروجها الجماعات المسلحة في شمال مالي ضد الحكومة المركزية، ويريد من خلالها إضعاف هذه الحكومة ومنعها من استكمال عملية التأمين والتهدئة.
هذا ببساطة هو توجه نظام الكابرانات في منطقة الساحل والصحراء عموما. استمرار حالة الاستنفار والتنازع، وتمكين الجماعات الانفصالية والمسلحة من شروط البقاء وإضعاف كل الحكومات المركزية التي تقع على حدود الجزائر. لا يريد هذا النظام استقرارا لا في المغرب، من خلال دعم أطروحة الانفصال في الأقاليم الجنوبية، ولا في ليبيا من خلال رفض جهود توحيد البلاد، ولا في مالي من خلال الترويج لروايات الجماعات المسلحة ضد الحكومة المالية، ولا في النيجر أو موريتانيا أو حتى في تونس. هذه ببساطة هي العقلية التي تحكم العلاقات الخارجية للنظام الجزائري. يجب أن تعم الفوضى والفرقة والانقسام كافة البلدان المجاورة، كي يظل هذا النظام العسكري منتشيا بأوهام القوة الضاربة والزعامة الإقليمية والقدرة على قيادة المنطقة. لا أحد يعرف إلى أين لكننا متأكدون أنها تريد قيادة الإقليم كله إلى المجهول.
من غير اللائق أبدا أن يروج مندوب دولة عضو في الأمم المتحدة أمام باقي مندوبي دول العالم أنباء غير موثّقة وقد تكون زائفة بالمرّة لأنه سيواجه لا محالة تكذيبا بل إحراجا على الملأ. وهذا ما حدث فعلا للسفير الجزائري على يد نظيره المالي. لم يتردد هذا الأخير في كشف خلفيات ما حدث ليلة 25 غشت الجاري عندما رصد الجيش المالي قافلة من السيارات الرباعية الدفع المحملة بالأسلحة في شمال شرق مالي، وهو يلمح من خلال هذه الإشارة إلى دور السلطات الجزائرية في تسليح الجماعات الانفصالية والإرهابية في شمال البلاد، واستدامة صراعها مع الحكومة المركزية. لقد كانت عملية القصف التي نفذها الجيش المالي موجهة ضد هذه القافلة من الأسلحة وضد المسلحين الذين كانوا يقودونها، ولا يتعلق الأمر كما ادعى السفير الجزائري بضحايا من المدنيين. ولنفترض أن ما حدث سقط فيه ضحايا مدنيون، هل بلغت الوقاحة بالنظام الجزائري إلى هذه الدرجة التي يتدخل فيها في الشؤون الداخلية لدولة أخرى ويحاول أن يعطي دروسا لا يمتلك أبدا مبادئها؟