سفير فرنسا بالصحراء المغربية.. تفعيل الاعتراف الفرنسي ورسالة قوية إلى العالم الآخر
الدار/ تحليل
تواصل فرنسا الوفاء بالتزاماتها الجديدة تّجاه السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، وتفعيل مقتضيات الاتفاق الأخير الذي أكدت من خلاله أنها تدعم وحدة المغرب، ومشروع الحكم الذاتي. وقد تجلى هذا التفعيل لمقتضيات الشراكة الاستثنائية الوطيدة التي أضحت تربط بين المغرب وفرنسا في زيارة مهمة قام بها سفير فرنسا بالمغرب، كريستوف لوكورتيي إلى الداخلة والعيون في إطار التزام الجمهورية الفرنسية بالمساهمة في التنمية السوسيواقتصادية للأقاليم الجنوبية وفي إطار التعاون متعدد الأوجه بين فرنسا والمملكة المغربية. وإلى جانب الأهمية التنموية والاقتصادية لهذه الزيارة فإن أبعادها السياسية والدبلوماسية تبدو أكثر أهمية وبروزا في الوقت الراهن.
تأتي هذه الزيارة بعد أسبوعين فقط من التوقيع على إعلان الشراكة الاستثنائية الوطيدة بين البلدين على هامش الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب. وهذا يعني أن هناك حرصا فرنسيا على المسارعة إلى الخطوات التنفيذية الكفيلة بتحويل الاعتراف الفرنسي إلى نهج عمليّ وملموس، ولا سيّما أن باريس تعهدت بأنها ستعمل بمقتضيات قرارها الأخير من خلال احترام كافة بنوده في أنشطتها ومبادراتها السياسية والاقتصادية والأمنية والدبلوماسية. وفي سياق الإعلان عن الشراكة الاستثنائية كان البلدان قد وقعا على 22 مذكرة تفاهم تشمل العديد من المجالات. وشملت المذكرة الثامنة بروتوكول تعاون على خلق إطار مسرّع للاستثمارات بين المغرب وفرنسا.
وقد أشارت هذه المذكرة إلى تعبئة غلاف مالي يصل إلى 3 مليارات درهم لإنشاء هذا الإطار المسرّع للاستثمارات في مختلف مناطق المملكة، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية. كما شملت المذكرة الـ 11 بروتوكول تعاون مع الوكالة الوطنية لموانئ المغرب. تشمل أيضاً كامل التراب الوطني بما في ذلك الأقاليم الجنوبية ولا سيّما إقليمي العيون والداخلة. لكن من المؤكد أن مبادرة السفير الفرنسي تنطوي أيضا على التحضير لهدف أكثر ترسيخا لهذا الموقف الفرنسي الداعم للوحدة الترابية، وهو بالطبع التحضير لافتتاح تمثيلية دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية. فالفرص الاستثمارية الهائلة التي تتيحها اليوم أقاليم الجنوبية بفضل الدينامية التنموية التي تعيش على إيقاعها تحتاج بالضرورة إلى وضع أسس من الثقة التي لا يمكن ترجمتها على أرض الواقع دون حضور قنصلي وازن.
والدليل على ذلك أن وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، كان قد أعلن في نهاية شهر أكتوبر المنصرم أن فرنسا تعتزم تعزيز حضورها القنصلي والثقافي في الصحراء المغربية من أجل إحداث رابطة فرنسية. وهي إشارة واضحة إلى رغبة فرنسا الكبيرة في الانتقال إلى مستوى متقدم من الاعتراف بمغربية الصحراء، على غرار ما فعلته العديد من الدول الصديقة والشقيقة مثل الإمارات العربية المتحدة، وعدد من الدول الإفريقية، وافتتاح أول تمثيلية دبلوماسية رسمية لفرنسا في العيون أو مدينة الداخلة. ومن المؤكد أن هذه الخطوة ستكون بالغة الأهمية لأنها قد تشكل قاطرة حقيقية لتشجيع العديد من الدول الأوربية الأخرى على السير في الاتجاه نفسه، ولا سيّما بعد أن أكدت هي أيضا دعمها للسيادة المغربية على غرار إسبانيا وألمانيا وعدد من الدول الإسكندنافية.
ارتداء السفير الفرنسي الدراعية الصحراوية يجب أن يكون صورة رمزية لمنجز ملموس ننتظره جميعا في المغرب. ونحن نعتقد أن فرنسا هي أكثر الدول الأوربية استعدادا لاتخاذ خطوة افتتاح قنصلية في الأقاليم الجنوبية، وكسر الحاجز النفسي تّجاه هذا القرار الذي سيكون له ما بعده. فرنسا بلد شريك وصديق تاريخي للمغرب، وقوة استعمارية تركت أثرا مهما في منطقة شمال إفريقيا، كما أن لها مصالح متشابكة مع جلّ بلدان الإقليم، علاوة على أنها عضو دائم العضوية في مجلس الأمن، وبلد فاعل في الاتحاد الأوربي. وهي تمتلك كل المستندات والحجج التي يمكن أن تدعم هذا القرار باعتبارها كانت مسؤولة تاريخيا عن إعادة رسم الحدود في منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء. واعترافها بمغربية الصحراء رسميا كان مجرد تصحيح لوضع شاذ لم يكن ليستمر طويلا. لذا؛ فإن زيارة السفير الفرنسي إلى الأقاليم الجنوبية تكتسي هذه الأهمية الدبلوماسية الحاسمة، بالإضافة إلى أبعاد التعاون الاقتصادي التي تنطوي عليها. لكنها يجب أن تكون بالأساس خطوة جديدة نحو قرار التمثيلية الدبلوماسية.