مأسَسة الدبلوماسية البرلمانية تنتظر التفعيل للترافع عن القضية الوطنية
الدار/تحليل
نداء الدبلوماسية الموازية الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس في خطابه برسم افتتاح الدورة التشريعية في أكتوبر الماضي أصبح أكثر استعجالا وإلحاحاً من ذي قبل. الواجب الذي يقع على عاتق البرلمانيين فيما يتعلق بتفعيل هذا التوجيه الملكي كبير وتاريخي، ويستدعي منهم التزاما وحماسا أكبر في الوقت الراهن، ولا سيّما في ظل الدينامية الإيجابية التي تمرّ بها القضية الوطنية على الصعيد الدولي. في قلب هذا الزخم تنتظر قضية وحدتنا الترابية من نواب الأمة ومنتخبيها المزيد من الجهود على صعيد الترافع في مختلف المنتديات الدولية. فكيف يمكن للبرلمانيين أداء هذه المهمة على أكمل وجه؟
لا بدّ أولا من الإشارة إلى أهمية وضع استراتيجية ترافعية واضحة، تشرف عليها لجنة مختصة داخل المؤسسة التشريعية بغرفتيها: مجلس النواب ومجلس المستشارين. والغرض من هذه الاستراتيجية أساسا هو تحديد أهداف مرحلية دقيقة مع إطار زمني واضح، وتقدير الوسائل والأدوات التي تحتاج إلى تحقيقها. على سبيل المثال هناك لقاءات ومنتديات برلمانية دولية وقارية وإقليمية لا بد من توضيح خطط المشاركة فيها، والأهداف المنشودة من وراء سفر البرلمانيين إليها. قبل أسبوعين فقط انعقدت قمة رؤساء البرلمانات العالمية، وشهدت القمة مشاركة المملكة العربية السعودية ممثلا عن الاتحاد البرلماني العربي، ومن المفترض أن تمثل هذه القمم الهامة جدا قناة اتصال للترافع عن القضية الوطنية إما بطريقة المشاركة المباشرة للمنتخبين المغاربة وإما عبر التنسيق مع ممثلي الاتحادات العربية والإفريقية.
وضع الاستراتيجية المضبوطة بالأهداف والجدول الزمني الواضح، يمكن أن يحوّل عملية الترافع البرلماني إلى آلية منتظمة ومنسّقة، يتولاها منتخبون يقدّمون أيضا بانتظام تقارير الأداء والإنجاز المطلوبة. ومن هنا فإن البرلمان مطالب اليوم بتحديد المنتخبين الذين سيتوّلون هذه المهمة وفقاً للتوجيهات الملكية الواضحة في هذا الإطار. ففي خطابه أمام البرلمانيين كان جلالة الملك واضحا عندما أكد ضرورة اختيار “موارد بشرية مؤهلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص، في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية، أو في المحافل الجهوية والدولية”. واختيار هؤلاء البرلمانيين يجب أن يتجاوز أيضا الحسابات السياسوية والحزبية الضيقة، لأن الأمر يتعلق أساسا بالقضية الوطنية التي تحظى بإجماع كافة المغاربة، وتظل أولوية الأولويات.
ولعلّ الدعوة الملكية كانت من جهة أخرى انتقادا صريحا لتعطّل آلية الدبلوماسية البرلمانية، وعجزها عن مواكبة الدينامية الإيجابية التي تحققها الدبلوماسية الرسمية. على سبيل المثال هناك عمل جبّار ينتظر البرلمانيين المغاربة على صعيد التأثير في دواليب البرلمان الأوربي. فبعد الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، وشروع باريس في تفعيل مقتضيات هذا الاعتراف سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا، من الضروري أن يخرج المنتدى البرلماني المغربي الفرنسي من دائرة اللقاءات الموسمية، التي تعتمد على الظروف السياسية، إلى دائرة المأسَسة والعمل المنظم المقترن ببرامج واضحة مشتركة على رأسها طبعا، الدفاع عن قضية الوحدة الترابية. وفي هذا السياق يمكن أن يؤدي البرلمانيون الفرنسيون في البرلمان الأوربي دورا مهما للغاية، بشرط أن يجدوا لدى نظرائهم من البرلمانيين المغاربة ما يكفي من التعبئة السياسية والقانونية والمعرفية.
وعلى غرار هذا المنتدى هناك أيضا الاتحاد البرلماني الإفريقي الذي يعد من أقدم الهيئات البرلمانية القارية، حيث تأسس سنة 1976. ومثلما استطاع المغرب أن يعود بشكل رسمي إلى منظمة الاتحاد الإفريقي عودة مظفّرة من الضروري أن يضع المنتخبون البرلمانيون خططا واضحة لحضور أكثر تأثيرا في هذه الهيئة، إلى جانب هيئة برلمان عموم إفريقيا. تمثل هاتان الهيئتان رهانا مهما جدا بالنسبة للدبلوماسية البرلمانية لأنهما في كثير من الأحيان تمثلان مختبرا مفيدا للتدريب على مواجهة المناورات الانفصالية، التي تقودها الجزائر أو جنوب إفريقيا، ومحاصرة التوجهات المعادية للوحدة الترابية لبلادنا. ليس من السهل أبدا رفع هذه التحديات بالنسبة للبرلمانيين المغاربة، لكن من المؤكد أن تحديد الاستراتيجيات الواضحة، سيشكل أسهل الطرق لتحقيق الأهداف المرجوة. وفي هذا السياق يصبح للعمل الحزبي القاعدي أهمية بالغة في تكوين أجيال جديدة من المنتخبين المؤهَّلين لرفع هذا الرهان الوطني المهم.