الجزائر والصراعات الداخلية.. ستة عقود من الأزمات والاستبداد العسكري
الدار/ تحليل
منذ نيلها الاستقلال عام 1962، واجهت الجزائر سلسلة متواصلة من الأزمات السياسية والصراعات الداخلية التي تركت بصماتها على نظام الحكم والمجتمع. هذه الصراعات لم تقتصر على الداخل الجزائري فحسب، بل امتدت لتلقي بظلالها على علاقات الجزائر الإقليمية، خصوصًا مع المغرب.
حمل استقلال الجزائر عن فرنسا في طياته بذور أزمة مستمرة، حيث وُصف الاستقلال بأنه مشروط بتفاهمات مع فرنسا. سرعان ما ظهرت الخلافات داخل صفوف القيادات الثورية، لتبدأ حقبة من الانقلابات والصراعات على السلطة. أولى هذه الأزمات كانت المواجهة بين “عسكر الحدود”، الذين تمركزوا خارج البلاد خلال الثورة، و”عسكر التحرير الوطني”، الذين خاضوا معركة الاستقلال من داخل الجزائر.
شهدت الجزائر خلال العقود الأولى من استقلالها تصفية دموية للمعارضين داخل النظام. على سبيل المثال، تم إعدام العقيد شعباني الذي عارض بشدة دمج ضباط الجيش الفرنسي في الجيش الوطني. كذلك، تعرضت شخصيات بارزة مثل عبان رمضان ومصطفى بن بولعيد للاغتيال في ظروف مثيرة للجدل، مما عكس عمق الانقسامات بين رفاق السلاح.
لم تتوقف الانقلابات في الجزائر؛ من الإطاحة بالرئيس أحمد بن بلة عام 1965 على يد هواري بومدين، إلى انقلاب الجيش ضد الرئيس الشاذلي بن جديد عقب فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في انتخابات 1991. حتى هواري بومدين، الذي حكم بقبضة من حديد، انتهت حياته بظروف غامضة يُعتقد أنها نتيجة مؤامرة داخلية.
عندما تولى عبد العزيز بوتفليقة الرئاسة عام 1999، سعى إلى تقليص نفوذ الأجنحة العسكرية داخل السلطة، فيما عُرف بمحاولة تفكيك “العلبة السوداء” للنظام. ومع ذلك، انتهت رئاسته بانقلاب داخلي أدى إلى تصاعد الصراعات بين قادة الجيش.
في 2019، خرج الجزائريون إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة تطالب بتغيير النظام. كشفت الاحتجاجات فسادًا متجذرًا وصراعات محتدمة داخل السلطة. تم اعتقال شخصيات بارزة مثل الفريق توفيق، بينما شهدت الجزائر وفاة رئيس الأركان قايد صالح في ظروف غامضة، مما عمّق الغموض حول مستقبل البلاد.
لطالما لجأ النظام الجزائري إلى تصدير أزماته الداخلية للخارج، خاصة عبر افتعال التوترات مع المغرب. قضية الصحراء المغربية ودعم جبهة البوليساريو ظلتا أدوات سياسية لتوحيد الصفوف الداخلية وصرف الأنظار عن مشاكل النظام. حتى الرئيس الراحل محمد بوضياف، الذي حاول إنهاء هذا الملف، قُتل في ظروف غامضة عام 1992.
بعد أكثر من ستة عقود على الاستقلال، لا تزال الجزائر أسيرة نظام تغلب عليه الحسابات العسكرية والفساد المستشري. ومع استمرار غياب الإصلاح الحقيقي، يبقى التساؤل قائمًا: هل يمكن للجزائر أن تنهض من جديد لتبني نظامًا ديمقراطيًا يعكس تطلعات شعبها؟