العالم الآخر يواصل مؤامراته الفاشلة لاستنبات الانفصال في المغرب العربي
الدار/ تحليل
تنص معاهدة مراكش الموقعة سنة 1989 والقاضية بتأسيس اتحاد المغرب العربي على تعهد الدول الأعضاء بعدم السماح بأي نشاط أو تنظيم فوق ترابها يمس أمن أو حرية تراب أيّ من الدول الخمس، والامتناع عن أي حلف أو تكتل عسكري أو سياسي يكون موجها ضد الاستقلال السياسي أو الوحدة الترابية للدول الأعضاء. هذا هو مضمون المادة الخامسة عشرة من هذه المعاهدة التي كان من المفترض أن تطلق مرحلة تاريخية جديدة ومختلفة، وكان من الممكن أن تبني تكتلا اقتصاديا وإقليميا قويا ومتقدما لولا المؤامرات التي ظل النظام الجزائري حريصا عليها باستمرار.
والغريب أنه بعد مرور أكثر من 35 عاما على هذه المعاهدة التاريخية، ظل النظام العسكري في الجزائر وفياً لحقده وعدائه الموجه نحو المغرب، بينما ظل المغرب وفيا لسياسة اليد الممدودة والسعي نحو المصالحة. وآخر مؤامرات هذا النظام اليائسة مسرحية هزلية تم تمثيلها قبل يومين من بطولة شرذمة من الموتورين الذين يدّعون الحديث باسم إقليم الريف الأبيّ وسكانه الأحرار، الذين حافظوا باستمرار على ارتباطهم الوثيق بهذا الوطن، تأسّياً بالزعيم والمقاوم التاريخي عبد الكريم الخطابي. لم يكتف نظام الكابرانات بالمحاولات اليائسة والفاشلة لاستنبات الانفصال في الأقاليم الجنوبية، فانطلق مجددا بحثا عن مشجب جديد يعلّق عليه هزائمه المتوالية.
وما جنته الجزائر من محاولات الانفصال في الصحراء هو ما ستجنيه أيضا من المحاولات الوهمية لاحتضان فكرة انفصالية جديدة في إقليم الريف. ما جنته هو إهدار أموال الجزائريين بالمليارات وعزلة دبلوماسية ودولية متزايدة، ومزيد من الضياع الإيديولوجي والسياسي الذي أفضى في النهاية إلى بناء دولة عسكرية فاقدة لأيّ مشروع سياسي أو اقتصادي أو حضاري واضح، ومنفصلة تماما عن واقع شعبها الذي يئن تحت وطأة الفقر والبطالة والغلاء والتخلف. بدلاً من أن يعترف هذا النظام بأخطاء الماضي ويعود إلى رشده ويبحث عن سبل لإعادة تجسير العلاقات مع المغرب، ومن ثمّ الانطلاق نحو آفاق الوحدة المغاربية بما تتيحه من فرص النماء والتطور الهائلة، يصرّ نظام شنقريحة ومن والاه من الجنرالات على منطق زرع الفتن والقلاقل والبحث عن زعامة وهمية.
وهذا المشهد الهزلي الذي تم تنظيمه بجهد جهيد ليس سوى اعتراف واقعي بالفشل الذريع لأطروحة الانفصال في الصحراء، وموت حلم استنبات الدويلة الوهمية. وهو دليل آخر على أن هذا النظام العسكري الذي يتغذى على التخويف والتهويل واستغلال القضايا الخارجية للتغطية على المشكلات الداخلية، أضاع البوصلة تماما، ولم يعد لديه ما يقدمه للشعب الجزائري لتبرير التخلف الهائل في شتى المجالات بينما تضيع موارد البلاد في معارك لا ناقة للمواطنين فيها ولا جمل. تمثيلية الانفصال في إقليم الريف تشبه رقصة المذبوح الذي يحاول أن يردّ على الضربات التي يتلقّاها من كل جانب بما تيسّر لديه، حتى لو كان ذلك مجرد نكتة سخيفة لا يمكن أن تقنع حتّى مؤلِّفيها.
والخطير فيما يحاول هذا النظام فعله، هو أنه يتناسى أن الجزائر بلد مهدد بالتقسيم وأن هناك شعبا من أعرق شعوب المنطقة، وهو الشعب القبائلي، يطالب باستقلاله منذ زمن طويل. وينسى أيضا أن الحركة السياسية من أجل تقرير مصير القبائل تقدمت كثيرا في عرض مطالبها على الصعيد الدولي، وأصبحت تحظى بمتابعة أممية واهتمام العديد من الدول، وهي أيضا من حقها أن تدافع عن هذا الحق الراسخ. وهو يتجاهل نقطة أهم وهي أن المغرب الرسمي لم يعلن أبدا دعمه لهذه المنظمة ولا احتضانه لها بصفة رسمية، لأنه ملتزم بمعاهداته واتفاقياته التي وقع عليها مع الحلفاء والأصدقاء والجيران. ومع ذلك يجب أن نذكّر النظام الجزائري أن قضية الشعب القبائلي لها أسس شرعية وثقافية وتاريخية قوية، وأن هذا الحق يجب أن يعلن بعيدا عن أيّ مزايدة أو محاولة ابتزاز سياسية أو دبلوماسية.