هل كان عبد الإله بنكيران سيرفض التوقيع على اتفاقية إبراهيم؟
الدار/ خاص
لا يتقن عبد الإله بنكيران عملا أفضل من المزايدة وإثارة الجدل و”تقطار الشمع” وفقاً للتعبير الدارج. وهذا هو المضمون العام للحوار الذي أجراه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية مؤخرا مع قناة الجزيرة القطرية في برنامج المقابلة. عاد الرجل مرة أخرى إلى قصة التطبيع بين المغرب وإسرائيل، وكشف أنه نصح رئيس الحكومة السابق ورفيقه في الحزب سعد الدين العثماني بترك منصبه قبل الوصول إلى هذه النتيجة. ولم يكتف بنكيران بتأكيد موقف حزبه الرافض للتطبيع، بل انتقد العثماني ولامه على عدم الاستماع إلى نصيحته. وفي وسط هذا التصريح المحلّى بعسل الأضواء الإعلامية، دسّ رئيس الحكومة السابق الكثير من السمّ.
فما غاية بنكيران من وراء العودة إلى هذا الحدث؟ صحيح أن المقابلة التلفزيونية عبارة عن استحضار للأحداث الماضية في تاريخ الحزب، وسيرة الرجل السياسية والحكومية، لكن الادعاء بأنّ الأَولى كان هو ترك الحكومة قبل التوقيع على هذه الاتفاقية، محض مزايدة خالصة. لقد كان على صحافي الجزيرة أن يسأل بنكيران بصراحة عن رأيه: هل كان هو سيرفض التوقيع على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل؟ من المؤكد أنه لم يكن ليفعل ذلك، وهو الذي أكد مرارا وتكرارا خلال توليه مسؤولية رئاسة الحكومة أنه خادم وفيّ للدولة المغربية، ولا يمكنه أبدا أن يخرج عن توجهاتها واختياراتها الكبرى. وتوقيع المغرب على الاتفاقية الثلاثية مع أميركا وإسرائيل يندرج أيضا في إطار هذه الاختيارات الكبرى التي ترتبط بها مصالح عليا واستراتيجية لبلادنا.
بعبارة أوضح، لو كان عبد الإله بنكيران على رأس الحكومة لما تأخر أبدا في التوقيع على هذه الاتفاقية، ولكان أول المدافعين عنها، والباحثين عن تبرير الانخراط فيها دون أيّ تأخر أو تردد. ولا شيء يمكن أن يعيبه في ذلك، لكن بشرط أن يكون منسجما تماما مع ممارساته. مشكلة عبد الإله بنكيران أنه لم يستطع أبدا، على الرغم من المراجعات التي أجراها الحزب، أن يتخلّص من آفة الخطاب المزدوج الذي وَسَم عمل الإسلاميين على مدار عقود طويلة. تلك التقيّة السياسية التي يحرص من خلالها قادة الأحزاب الإسلامية على خطابٍ يدغدغ مشاعر المريدين والأتباع، وممارسةٍ تتماشى أحيانا مع متطلبات الواقع والمرحلة. والحال أن المطلوب من الرجل ومن حزبه أن يتبنيا اختيارات الدولة المغربية نظراً إلى أنهما قبلا مبدأ المشاركة السياسية، والانخراط في المسؤولية الحكومية ومن ثمّ فمن غير المقبول بتاتا أن يعود بنكيران اليوم إلىى التبرؤ من هذه الاختيارات التي كان حزبه مشاركا فيها.
كثيرا ما ينسى عبد الإله بنكيران أنه مسؤول سياسي مغربي، وليس زعيم حزب من الأحزاب الإسلامية في المشرق العربي. الارتباطات الدولية للأحزاب الإسلامية ما تزال تؤثر في مواقفه وتوجهاته، على نحو يدفعه أحيانا إلى السقوط من جديد في مربع الصدام والمواجهة، ولو لفظيا أو شعاراتياً. لقد كان بنكيران سيجد ألف مبرر ومبرر للانخراط في اتفاقية استئناف العلاقات مع إسرائيل لو كان هو رئيس الحكومة حينها. لكنه وجد نفسه خارج دائرة القرار ومن ثمّ يريد أن يستغل هذه الاستقلالية التي منحتها له ظروف التداول على السلطة والمسؤولية الحزبية، كي يعود من جديد إلى عادة المزايدة والابتزاز القديمة. وخطورة هذا السلوك تكمن في أنه يؤكد أن كل تجارب المشاركة السياسية والارتطام بتجربة السلطة والتدبير لم تنفع في ترويض منطق التقيّة الذي يعمل به بنكيران وإخوانه.
ليس المقصود هنا أن على حزب العدالة والتنمية وبنكيران الاحتفال بقرار التطبيع والدفاع عنه، فمن حقهم الاحتفاظ بموقف سياسي مختلف، لكن من واجب عبد الإله بنكيران أن يتحلى بالشجاعة السياسية الكافية ويعترف بأنه لم يكن ليشقّ عصا الطاعة، أو يخرج عن مسار الاختيار الرسمي للدولة، أو يستقيل من منصبه أو حتى أن يهدد بذلك. وأن النصيحة التي قدمها حينها لسعد الدين العثماني كانت مجرد فتوى قاعد لمجاهد. وهو يعلم جيدا أنه لا يمكن لقاعد أن يفتي لمجاهد.