عفو استثنائي في الجزائر يفضح رعب الكابرانات ومزاعم السيادة
الدار/ تحليل
لم يعتد الجزائريون على إصدار الرئيس عفوا يشمل المحكومين أو الموقوفين في هذا الوقت من العام على غرار ما يفعل عادة في المناسبات الوطنية والدينية. ولعلّ العفو الذي صدر اليوم وشمل 2471 شخصا، بينهم 14 شخصا ممن أدينوا وفقا للتوصيف الرسمي في قضايا النظام العام، التي تعني التظاهر والاحتجاج، علاوة على 8 موقوفين على ذمة التحقيقات وإجراءات المتابعة القضائية، يكشف حالة الارتباك والرعب التي تخترق قيادة النظام. يأتي هذا العفو الاستثنائي وغير المعهود في سياق ملتهب تعيشه الجزائر بعد احتداد موجات الاحتجاج، ودعوات الخروج إلى الشارع، وتصدُّر هاشتاغ “مانيش راضي” ترند نهاية السنة في الجزائر. يرى الكثير من المراقبين أن هذا العفو محاولة لتهدئة الأوضاع، والتصدي لموجة التصعيد الشعبية، لكن من المؤكد أنه يعكس أيضا مشكلة عميقة يعيشها نظام الكابرانات.
في الأسبوع الماضي ألقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خطابا وذكر فيه أن الجزائر “لا يمكن افتراسها بهاشتاغ”. لكن إثارته لهذا الموضوع بدت في حد ذاتها تعبيرا عن مستوى الرعب والخوف الذي يسكن أوصال هذا النظام، بعد أن أطلق نشطاء وحقوقيون ومؤثرون ومواطنون عاديون دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي للاحتجاج على الأوضاع المزرية التي تعيشها البلاد. “مانيش راضي” شعار غزا مواقع التواصل الاجتماعي، وتحوّل بسرعة إلى ترند مرعب للنظام، ولا سيّما في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. وقد بدأت ملامح هذا الرعب منذ أن بدأ الثوار السوريين القادمون من إدلب في الزحف نحو العاصمة دمشق، حيث أصرّ نظام الكابرانات على دعم النظام السوري حتّى آخر لحظة، قبل أن يغير موقفه بعد فرار الأسد.
إصدار عفو استثنائي في هذا الفترة على وجه التحديد يؤكد أن النظام الجزائري يمرّ بأيام حالكة وأوقات جد صعبة، بسبب العزلة المتزايدة التي يشعر بها. منذ اعتقال المثقف والكاتب الجزائري بوعلام صنصال في أواخر شهر نونبر الماضي، اكتشف نظام الكابرانات أن الوضع الدولي والإقليمي قد تغيّر تماما. وأن الممارسات السابقة التي كانت تسوغ له انتهاك الحريات وحقوق الإنسان، لم تعد متاحة مثلما كان الحال في الماضي. وفي مواجهة الضغوط الفرنسية والدولية للإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال حاول نظام الكابرانات لعب ورقة سيادة القرار، لكنه اكتشف أيضا أنه لم تعد لديه الكثير من الأوراق التي يمكنه توظيفها لمواجهة هذه الضغوط أو الخروج من العزلة التي يعيشها.
لا يمكن وصف هذا العفو الاستثنائي إذاً إلا بأنه علامة أخرى على هشاشة هذا النظام، وعجزه عن اتخاذ القرارات السيادية بطريقة مقنعة للداخل والخارج في الوقت نفسه. فالشارع الجزائري نفسه كان أولّ المحتجّين على موجة الاعتقالات التي شملت العديد من النشطاء بعد إطلاق هاشتاغ “مانيش راضي”، ولا يتفق معظم الجزائريين مع قمع حرية الكاتب الجزائري بوعلام صنصال في التعبير عن رأيه. كما أنهم غير معنيين بتاتا بالتصريحات التي أطلقها، والمتعلقة بتاريخ الاستعمار الفرنسي وعلاقته باجتزاء أراضٍ مغربية وضمها إلى التراب الجزائري. لكن العفو الاستثنائي الذي أصدره الرئيس الجزائري بإيعاز من اللواء سعيد شنقريحة قد لا يكون كافيا في الوقت الحالي لتهدئة غضب الشارع أو منع المطالب المتنامية من أجل بناء دولة مدنية وديمقراطية في الجزائر.
خروج المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والنشطاء المحتجين سواء في الشارع أو في مواقع التواصل الاجتماعي، وعودتهم إلى معانقة الحرية ليست منحة يعطيها النظام الجزائري لهم، بل هو حق من حقوقهم المدنية والسياسية الأساسية التي يضمنها لهم الدستور الجزائري نفسه. لذا؛ من غير المرجح أن تسهم هذه الخطوة التي قام بها النظام في إنهاء موجة الاحتجاجات، التي قد تتصاعد في الأيام القليلة المقبلة مع استمرار الاحتقان السياسي وهيمنة العسكر على مقدّرات البلاد، وانهيار المنظومة الاقتصادية، وتزايد مظاهر الإقصاء والتهميش في بلد يعدّ من بين أغنى البلدان في العالم بمصادر الطاقة.