بعد 60 عاما من إهدار ثروات الجزائريين في معاداة المغرب تبون يتهم الاستعمار بتخريب الجزائر
الدار/
بعد مرور أكثر من 62 عاما على استقلال الجزائر يخاطب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شعبه اليوم قائلا: “الاستعمار ترك الخراب في الجزائر، ومن يقول إنه تركها جنة فليعلم أن 90 في المائة من الشعب الجزائري كان أميا غداة الاستقلال”. هذه عبارة مقتطفة من نص الخطاب الذي ألقاه تبون اليوم دون سابق إنذار على الشعب الجزائري، ليعيد تذكيره بفشل الدولة الجزائرية في معالجة الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية التي تغرق فيها البلاد بعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال. خطاب زاخر بالعنتريات الشعبوية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتؤكد مرة أخرى أن الشعب الجزائري ابتُلي فعلا بعصابة تنهب خيرات البلاد وتصرّ على بيع الأوهام، وترفض الاعتراف بمسؤولياتها التاريخية عن كل ما يعانيه هذا الشعب.
هل من المعقول أن يخاطب الرئيس الجزائري شعبه بهذه الشعبوية المستمدة من السبعينيات أو الثمانينيات في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن الجزائري التخلص من لعنة الطوابير؟ فشل الدولة الجزائرية لا يتعلق فقط بالقضاء على الأمية في أوساط الجزائريين، بل حتّى بأبسط التحديات المعيشية اليومية. لقد ترك الاستعمار الفرنسي الذي كان وراء إنشاء دولة الجزائر بالمناسبة بنية اقتصادية وتحتية قابلة للتطوير والسير قدما نحو مسارات النمو والرخاء. لم يترك المستعمر الفرنسي طوابير الخبز والحليب والسميد. ولم يترك أبدا عجزا في قنينات الغاز في بلد يمتلك أكبر احتياطيات الغاز في العالم. ولم يترك الاستعمار الفرنسي نظاما اقتصاديا احتكاريا يفرض على المواطن البسيط طلب رخصة بيروقراطية مستحيلة إذا أردت استيراد سيارة أو أجهزة إلكترونية.
لم يترك المستعمر الفرنسي في الجزائر سوقا لتصريف العملات في الشوارع وبعلم الدولة وإشرافها وحمايتها. لم يترك أيضا جنودا ينشغلون بجني الترفاس من الأرض بدلا من الانشغال بأداء مهامهم الأمنية والعسكرية. لم يترك جنرالات الدقيق والسكر والزيت الذين يحتكرون قوت المواطن الجزائري البسيط، ويتاجرون فيه. عندما غادر المستعمر الفرنسي بلدة الجزائر كانت فعلا جنة حقيقية بناها بأحدث الأساليب المعمارية وترك فيها بنية تحتية مؤهلة بعد أن قضى في تعميرها أكثر من 130 عاما. الاستعمار ظاهرة مقيتة ومرفوضة في كل الأزمان والعصور، لكن هذا لا ينفي ضرورة التحلي بالإنصاف في تقييم مرحلة تاريخية لا يمكن نفيها بجرة قلم. من العيب أن يخاطب الرئيس شعبه ونحن على مشارف نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين بهذه اللغة التي تسخر في الحقيقة من الجزائريين ومن أحلامهم وحقوقهم وطموحاتهم. ماذا فعل النظام الجزائري بالبنية التحتية الهائلة التي تركتها فرنسا في مجال إنتاج النفط والغاز؟
ليس لدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وأسياده الكابرانات الشجاعة الكافية لمصارحة الشعب الجزائري بأن هذه الدولة الفاشلة أهدرت مليارات الدولارات في صناعة أوهام انفصالية، ومحاولة زعزعة استقرار المغرب ومحيطها الإقليمي، وشراء الأسلحة والدعم الدبلوماسي لعصابة مسلحة. لماذا لا يعترف الرئيس الجزائري بكل شجاعة بما ذكره الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال أمام المحكمة، عندما أقرّ بأن نظام عبد العزيز بوتفليقة كان يفرض على الوزراء خططًا تهدف إلى الإساءة للمغرب بكل الطرق الممكنة، وأنه أنفق كل مقدّرات الجزائريين في محاولة تشويه سمعة المغرب أو منع تطور مساره التنموي والاقتصادي. هذه هي الحقيقة التي لا تجرؤ دمية الكابرانات على مصارحة الشعب الجزائري بها.
من السهل أن يتهم هذا النظام الفاشل الاستعمار بتخريب البلاد، لأنه بنى وجوده وأيديولوجيته على الدعايات البائسة الموروثة من حقبة الحرب الباردة. وأسّس منظومة فساد نموذجية احترفت تهريب ثروات الجزائريين وتكديسها في بنوك سويسرا ونيويورك وباريس. ومن الصعب جدا أن يقدم تبون الإجابات الكافية والشافية للشعب الجزائري الذي ما يزال يتساءل عن مصير ثرواته الطاقية التي تُصرف في حروب وصراعات لا ناقة ولا جمل له فيها. ومن المؤسف أن نؤكد أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الجزائري اليوم كان مخيبا تماما لآمال الجزائريين الذين يرفعون اليوم بعد أن طفح الكيل شعار “مانيش راضي”، وينتظرون معالجة حقيقية لمآسيهم المتراكمة.