هل يمنع دعاء الكابرانات لفرنسا فضح الثروات المنهوبة؟
هل يمنع دعاء الكابرانات لفرنسا فضح الثروات المنهوبة؟
الدار/ تحليل
يدرك كابرانات النظام الجزائري أن المواجهة مع فرنسا ليست في مصلحتهم. فمن كان بيته من زجاج لا يحذف الناس بالطوب. والتلميحات التي بدأت تظهر في الإعلام الفرنسي حول كشف فساد النظام الجزائري والمليارات المنهوبة من مقدّرات الجزائريين والمودعة باسم الجنرالات في الخارج مجرد قرصة أذن عابرة. لذلك، فإن قرار الدعاء لفرنسا في مختلف المساجد التابعة للجالية الجزائرية كانت محاولة أولية من هذا النظام لاسترضاء “ماماهم فرنسا” تجنّبا لفتح حرب إعلامية لن يكون قادرا على تحمّل تبعاتها. ومن الواضح أن ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة من فضائح قادة هذا النظام إذا استمر العناد فيما يتعلق بقبول استلام المرحَّلين من مخالفي القوانين سيكون له ما بعده.
ادعاء القدرة على تحدي القانون الفرنسي وكسر الإرادة مجرد تغطية على واقع الضعف والاستكانة الذي يشعر به الكابرانات في مواجهة مطالب فرنسا. فهم يدركون أن الارتباط التاريخي بينهم وبين فرنسا ومختلف أجهزتها سواء الأمنية أو الإعلامية أو السياسية لا يتيح لهم هامشا واسعا للمناورة، والتظاهر بالتمرد ورفض الإملاءات القادمة من باريس. ونظرا إلى أن الأمر يتعلق بنظام عسكري يقوم على تركيبة الفساد والاستبداد فمن السهل الإطاحة بقادته على المستوى الأخلاقي بسبب ما يعرفه الجميع حول الممارسات المشبوهة لهذه النخبة الفاسدة، ولا سيّما فيما يتعلق بإدارة الأموال والثروات الهائلة المكتسبة من خيرات الجزائريين.
وبعد أن رفضت السلطات الجزائرية استقبال مواطن جزائري رحّلته السلطات الفرنسية بسبب مخالفته للقوانين المحلية، تحوّل هذا الخلاف الفرنسي الجزائري إلى صراع إرادات حقيقي. ترفض فرنسا رفضا باتّا السلوك الغريب الذي صدر عن نظام الكابرانات برفض استقبال مواطن جزائري عائد إلى وطنه، لأن هذا الحادث يمكن أن يتحوّل إلى سلوك اعتيادي، يعوّق الإجراءات الزجرية التي اتخذتها باريس ضد المهاجرين الذين يخالفون القوانين المحلية، ولا سيّما أولئك المحرّضين على ارتكاب أعمال العنف أو نشر الكراهية أو التطرف. وهناك حساسية شديدة في المشهد السياسي الفرنسي تّجاه قضايا الهجرة وتدبيرها، وتتعرّض الحكومة الفرنسية بانتظام إلى انتقادات حادّة من أحزاب المعارضة، التي تتهمها بالتساهل مع هذه الظاهرة.
من المحتمل أن تواجه هذه الحكومة اتهامات بالرضوخ لإرادة النظام الجزائري إذا لم يكن الردّ في مستوى التحدي الذي أظهرته السلطات الجزائرية. وهذا يعني أن الإجراءات المضادة التي أعلنتها الكثير من الجهات في فرنسا، ولا سيّما في النقاش العمومي المفتوح اليوم، قد ترى طريقها إلى التفعيل. على سبيل المثال تستفيد الجزائر من أكثر من 800 مليون يورو سنويا من المساعدات الفرنسية في إطار البرامج التنموية والاستثمارية. وهناك اليوم أصوات عديدة تطالب بوقف هذه المساعدات في ظل إصرار السلطات الجزائرية على منطق الترهيب والاعتماد على الأبواق المأجورة في فرنسا. لكن أخطر سلوك ترفضه السلطات الفرنسية في الوقت الراهن هو تجييش الأجيال الشابة من المهاجرين الجزائريين في ضواحي المدن.
هذا الكابوس الذي يقضّ مضجع السلطات الفرنسية باستمرار يمثل ورقة ابتزاز تخشى فرنسا أن يلجأ إليها النظام الجزائري المارق، خصوصا إذا شعر بأنه محاصر ويتعرّض إلى المزيد من الضغوط. ومن هنا فإن التفكير في بدائل عديدة لإرغام النظام الجزائري على التعاون فيما يتعلق بتدبير قضايا الهجرة، والمسائل الأمنية يمثل في الوقت الحالي رهانا ملحّا بالنسبة إلى الحكومة الفرنسية. ومن هناك تبرز أهمية اللجوء إلى ورقة ضغط غير معلنة ومؤلمة تتعلق بكشف مدى فساد النظام الجزائري، وتورط قادته من العسكريين أو الحزبيين في هدر المال العام وتحويل مقدّرات الجزائريين إلى ثروات شخصية في البنوك الفرنسية والسويسرية وغيرها. فهل لدى نظام الكابرانات القدرة على مواجهة هذه الورقة؟