أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

رُهاب ما بعد الثورة السورية.. هل بدأ العد العكسي لانهيار النظام الجزائري؟

رُهاب ما بعد الثورة السورية.. هل بدأ العد العكسي لانهيار النظام الجزائري؟

الدار/ تحليل

من بين الأنظمة التي أصابها رُهاب ما بعد الثورة السورية النظام العسكري في الجزائر. هناك أسباب عديدة وراء انتقال حالة الرعب إلى هذا النظام من أهمها التطابق الكبير بين النظامين في العديد من الجوانب. هناك أولا الارتباط التاريخي والعضوي بنظام بشار الأسد باعتبار النظام الجزائري أحد أهم الداعمين له، ثم ثانيا حالة التطابق على مستويات عديدة، منها الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية، وثالثا حالة الثورة غير المكتملة التي بدأت في حراك فيفري الشهير سنة 2019 بالجزائر، قبل أن يتم الالتفاف عليها بإسقاط بعض وجوه النظام السابق، مع الإبقاء على هيمنة الدولة العميقة، ورابعا العداء المطلق للمحيط الإقليمي.
هذه التقاطعات التي تجمع بين الحالة السورية والحالة الجزائرية تنبئ عن أزمة عميقة ووجودية يعيشها نظام الكابرانات اليوم. ومثلما تجمعت الشروط وانتفت الموانع كي ينهار نظام بشار الأسد بسهولة، وتكمل الثورة السورية مسيرتها المتواصلة منذ أكثر من 13 عاما، فإن النظام الجزائري يقف اليوم في الحقيقة على شفا الهاوية، ولم يعد وضعه يحتاج إلا إلى هبّة ريح بسيطة كي ينهار هو أيضا. وهذه الهبّة الخفيفة القادرة على إسقاط هذا النظام ترتبط بشرط أساسي توفّر في الحالة السورية ولم يتوفّر بعد في الحالة الجزائرية، وهو الإجماع الدولي على التخلي عن هذا النظام. فالذي سرّع بإسقاط النظام السوري أساسا كان هو التوافق الذي حصل بين روسيا وتركيا وإيران على إنهاء وجود نظام بشار الأسد.
واليوم بعد أن دخل نظام الكابرانات في حالات التطابق المخزية مع النظام السوري في شتّى المجالات، يصبح هذا الشرط الدولي وحده المعوّق الرئيسي لرغبة الشعب الجزائري المسحوق في التخلّص من نظام عصابة الكابرانات. فالإذلال الذي تعرّض له السوريون في الطوابير من أجل الخبز أو الوقود هو نفسه الذي يعيشه الشعب الجزائري أيضا ومنذ سنوات طويلة. والقمع الذي تعرّضت إليه الثورة السورية منذ 2011 تعرّض إليه نشطاء حراك فيفري في الجزائر، مع ضرورة الاعتراف بالاختلاف الكبير بين همجية النظام السوري الطائفي وهمجية النظام العسكري في الجزائر. والعداء الذي خلقه النظام السوري مع جيرانه في تركيا ولبنان، وقبل ذلك مع الأردن والعراق خلال فترة من الفترات، هو نفسه العداء الذي خلقه نظام الكابرانات في محيطه العربي والمغاربي والإفريقي.
نحن نتحدث إذاً عن تركيبة مؤكدة تؤدي إلى انهيار الأنظمة السياسية الهشّة القائمة على أسس قومية أو نضالية متجاوزة. ومن هذه الأنظمة النظام الجزائري الذي بنى وجوده على أسطورة الثورة الجزائرية على الرغم من مضيّ أكثر من 60 عاما على انقضائها. واستحضار المواجهة مع الاستعمار الفرنسي في السياق الحالي ليس اعتباطيا أو مصادفة، بل هو استراتيجية دفاعية يلجأ إليها نظام الكابرانات كلّما فرضت الظروف الإقليمية أو الدولية عليه ضرورة التجاوب مع إرادة الشعب ومطالبه. وما يعزّز هذه الشروط المسرّعة بالانهيار هو حالة السيولة الدولية في هذه المرحلة الانتقالية بين إدارة أميركية قديمة وأخرى جديدة. لذلك فإن افتعال نظام الكابرانات أزمة سياسية جديدة مع فرنسا على سبيل المثال هو جزء من أساليب تجاوز الأزمة العميقة.
ومع ذلك لن تجدي هذه الأساليب نفعا في ظل الارتباك الكبير الذي يخترق هذا النظام. كما أن المحاولات اليائسة لتقديم رٍشى ومنح اجتماعية استثنائية لن تزيد هذا النظام إلا ضعفا. ومهما حاولت الرئاسة التظاهر بتركيز اهتمامها في الوقت الحالي على القضايا القريبة من المواطن الجزائري على غرار الحوار الاجتماعي وقوانين التأمينات الاجتماعية والترتيبات المتعلقة بالاستعداد لشهر رمضان، وإطلاق حملات تواصلية يقودها ولاة الأقاليم والولايات الجزائرية، فإن ذلك لن ينفي أسباب الانفجار التي أصبحت بنيوية ومتجذرة في نظام الكابرانات، مثلما تظهر بجلاء في مطالب النشطاء والمناضلين الجزائريين الذين اضطرا معظمهم للأسف إلى المنفى الاختياري.

زر الذهاب إلى الأعلى