ترامب في البيت الأبيض.. نهاية مخيمات العار
ترامب في البيت الأبيض.. نهاية مخيمات العار
الدار/تحليل
يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يتذكره العالم باعتباره رئيسا للسلام. هذا هو المطلب الأساسي الذي أعلنه الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة في ولايته الرئاسية الثانية وهو يلقي خطابه في أعقاب تنصيبه اليوم. لقد بدأ ولايته بالتفاخر بأن الأسرى الإسرائيليين عادوا إلى بيوتهم مباشرة بعد اليوم الأول لتحمّله المسؤولية، وينوي أن يعمّ السلام كافة أرجاء العالم، وهو يشير أساسا إلى الحرب الأوكرانية الروسية التي من المحتمل أن تشهد تطورات سريعة قد تفضي إلى اتفاق سلام، ولا سيّما أن الرجل لا يجد أيّ حرج في التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يؤمن دونالد ترامب بمنطق القوة، والقوة فقط. ولا يتردد في اتخاذ قرارات جذرية وجريئة وفرضها على الدول والكيانات والأفراد. ولا يعترف بمنطق المداهنة السياسية الذي يفترض تبنّي طروحات تبدو خيّرة على الرغم من أنها في العمق مجرد غطاء لمصالح وغايات براغماتية مؤكدة. وبراغماتيةُ ترامب الصريحة هي التي مكّنته خلال ولايته الرئاسية الأولى من فرض مختلف القرارات الأمنية والاقتصادية والسيادية على منافسي الولايات المتحدة الأميركية دون أيّ تردد، واستطاع من خلالها حماية بلاده من الغزو التجاري والإعلامي. نتذكر جميعا كيف فتح الجحيم على مواقع التواصل الاجتماعي وقرّر تأسيس منصته الخاصة، والتصدّي للمنصات ووسائل الإعلام التابعة للديمقراطيين، وخوض معركة قضائية ضخمة انتهت بفوزه اليوم بالانتخابات.
ومن أهم القرارات التي اتخذها دونالد ترامب خلال ولايته السابقة الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، وما أطلقه ذلك من دينامية وزخم دبلوماسي غير مسبوق أدى إلى توالي الاعترافات من مختلف الدول الأوربية والإفريقية. ومن المرتقب أن تشهد الولاية الجديدة لدونالد ترامب المزيد من التعزيز لهذا الموقف الجريء، الذي يعترف بدور المغرب وعلاقاته التاريخية الراسخة مع الولايات المتحدة الأميركية. يدرك ترامب أن المغرب دولة قوية ولها نفوذ تاريخي في منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء. وهو يحترم كثيرا الدول والشخصيات القوية. ويعوّل كثيرا على استمرار الشراكة المغربية الأميركية ولا سيّما في مجالات التعاون في مكافحة الإرهاب وإرساء السلام.
ولعلّ استباق المخابرات المركزية الأميركية “سي آي إيه” تنصيب الرئيس الجديد بإقرار خريطة المملكة المغربية كاملة بصحرائها في الموقع الإلكتروني يؤكد أن واشنطن تتّجه قريبا نحو اتخاذ قرار جوهري في ظل ولاية ترامب. بعد الاعتراف من المتوقع أن تبادر الولايات المتحدة إلى افتتاح تمثيلية دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية، لكن الأهم من هذا وذاك هو العمل على التسوية النهائية للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية. وهذا يعني في الوقت الراهن صيغة أساسية ووحيدة وهي الحل السياسي الذي اقترحه المغرب في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية، ومن ثمّ تفكيك مخيمات العار في تندوف وإنهاء هذه المشكلة التي طالت أكثر من اللازم وتحوّلت إلى رصيد في حسابات النظام الجزائري يستغله لأغراض إقليمية وداخلية ضيقة.
إقرار السلام على طريقة ترامب يعني تقديم خيارات نهائية وآجال محددة للعمل على التخلص من أيّ نزاع أو صراع إقليمي يثير مشكلة بالنسبة للعالم أو للولايات المتحدة الأميركية. صحيح أن النزاع المفتعل في الصحراء ليس على رأس أولويات الأمم المتحدة فيما يتعلق بالاعتبارات الأمنية والإنسانية، لكنه بالنسبة لإدارة ترامب يمكن أن يأخذ قيمة أكبر في الوقت الحالي، لأنه يرتبط بحليف استراتيجي هو المغرب. من أهم المبادرات التي من المحتمل أن تطفو على السطح في هذه الولاية الجديدة إخراج اللغة الدبلوماسية الأميركية من دائرة لغة الخشب التي كرّستها إدارة بايدن. لم يعد من المقبول أبدا الاستمرار في مدح مخطط الحكم الذاتي باعتباره مخططا جديا وذا مصداقية مثلما نسمع ذلك منذ سنوات طويلة.
المطلوب اليوم من إدارة ترامب يتجاوز المجاملات والتلميحات، ويستدعي اتخاذ قرار جديد لا يقل جرأة عن قرار التوقيع على مرسوم الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه. تصنيف منظمة البوليساريو في خانة المنظمات الإرهابية على سبيل المثال، وفرض عقوبات على الكيانات الداعمة لها والأفراد الذين يعملون على تكريس ممارساتها. وفرض إطار أممي واضح لعملية التفاوض يفرض على الجزائر الجلوس إلى طاولة المفاوضات بدلا من مواصلة التهرّب من ذلك. ونحن في المغرب متفائلون للغاية بهذه الإمكانية، ولا سيّما أن مسؤولي إدارة ترامب الجديدة أطلقوا إشارات إيجابية مسبقة. وفي هذا السياق سبق للوزير مارك روبيو الذي اختاره ترامب بحرص شديد لإدارة العلاقات الخارجية أن أكد أن الإدارة الأميركية الجديدة تراهن على تعزيز علاقاتها مع المغرب باعتباره حليفا مهما في المنطقة، وشريكا في قضايا التنمية والاستثمار المرتقبة في القارة الإفريقية.