الجهاد الإلكتروني ، سلاح الإرهاب الجديد في الفضاء الرقمي
الدار/
أصبح الفضاء الرقمي اليوم ساحة معركة مفتوحة ، حيث تتسلل الأفكار المتطرفة بخفاء عبر الوسائط الاجتماعية ، متجاوزة الحدود الجغرافية لتغزو العقول في صمت وخلوة ،مستفيدة مما يشهده العالم الافتراضي من تطور مذهل في شبكة مستخدميه وحرية في نشر الأفكار والآراء ، والتي بعضها غير بريئ ، ممن تفننوا في ذغدغة شعور فئات عريضة من شباب العالم بإسم الدين والعمل على مايعرف بـ”الجهاد الإلكتروني” كوسيلة للإستقطاب ، خيط من الخيوط الكثيرة المنشرة عبر مواقع رقمية متعددة ، تحاول أجهزتنا الأمنية المختصة فك شفراتها كل دقيقة وساعة ، فالحرب الجديدة لا تعرف ميدانا محددا ولا جيوش معروفة ، إنه الخطر المتربص بأبنائنا داخل دعامات رقمية مرتبطة بالشبكة العنكبوتية .
لقد أعطت أجهزة الاستخبارات الداخلية المغربية والمكتب المركزي للأبحات القضائية التابع للمديريةالعامةلمراقبةالترابالوطني ومختلف اجهزة الرصد والتتبع التابعة للأجهزة المختلفة للأمن السيبرالي الوطني ، درسا في إستباقية تتبع المعلومة الداعشية ونقاط إرسالها و المتوصلين بها و توزيعها ، والمستهدفين المتجاوبين الذين يتم شحنهم وتجنيدهم و تحديد نقاط نشاطهم .
إنها عمليات معقدة و سلاح جديد يستغل لتوجيه فئات معينة وتجنيدها و تبرير الهدف من أعمالها الإرهابية تحت غطاء الدين أو الظلم أو غيره …، مستهدفا الأفراد عبر رسائل إستقطاب ، وأخرى تحريضية تسعى لتأجيج العنف وتفكيك النسيج الإجتماعي .
بعد الاستقطاب والتجنيد والشحن عبر الفضاء الرقمي ، نجد نوعا آخر من الإرهاب المعتمد على نشر الرسائل الدينية التي تحرض على الجهاد الرقمي ، ويعتمد هذا النوع من الارهاب الإلكتروني ، على ثلاثة أركان رئيسية ، أولها الاستخدام غير المشروع أو التهديد بالعنف ضد الأبرياء و ثانيها، نشر الرعب والخوف لدى فئة واسعة من المستهدفين ، حتى وإن لم يكونوا مباشرة هدفا للعمل الإرهابي ، وآخرها إستغلال هذا الخوف كوسيلة للضغط السياسي أو الإيديولوجي لتحقيق أهداف محددة . إرهاب لا يحتاج إلى مواجهة جسدية، بل يكفي أن تتوفر دعامة إلكترونية لتصبح الرسائل التحريضية قادرة على اختراق العقول، حاملة معها دعوات صريحة للعنف تحت ستار مضلل من الصور أو النصوص أو حتى مقاطع الفيديو المفبركة .
إن ما يزيد من خطورة هذا الجهاد الإلكتروني هو طبيعته العابرة للحدود، حيث تنتقل الرسائل التحريضية بسرعة مذهلة عبر المنصات الرقمية مثل “فيسبوك” و”تويتر” او التويتر او غيرها من وسائل التواصل الإجتماعي ، لتصل إلى الملايين في توان ودقائق معدودة ، وليتقاسمها المستخدمون ويغنونها بتعليقاتهم، مما يعمق تأثيرها ويرسخ الفكر الإرهابي بين الأفراد . هذه الرسائل، غالبا ما تكون مشحونة بآيات دينية أو صور مؤثرة، تقدم بطريقة خادعة لإضفاء شرعية دينية أو إجتماعية على العنف.
المشرع المغربي، بوعيه المتقدم بخطورة هذا السلاح، أقر القانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب. وفي صلبه، تنص المادة 218-2 على تجريم الإشادة بالأفعال الإرهابية بكل أشكالها ووسائلها، حيث يعاقب كل من يتورط في ذلك بالسجن من سنتين إلى ست سنوات وغرامة تصل إلى 200,000 درهم. هذا النص لا يقتصر على الخطب المباشرة ، بل يشمل جميع الوسائط الرقمية والبصرية، ما يعكس إدراك المشرع لتحول الإرهاب إلى صناعة رقمية تستهدف الأفراد أينما كانوا.
وعلى الرغم من هذه الصرامة القانونية، فإن التحدي لا يزال قائما في مواجهة هذا الزخم الإعلامي المتطرف، خاصة مع التطور المستمر في تقنيات التلاعب بالمعلومات والفيديوهات ، و ما يقلق أكثر هو ضعف الحس النقدي لدى الكثيرين، الذين يتلقون هذه الرسائل دون تمحيص، مما يجعلهم أهدافا سهلة لخطاب الكراهية.
وإدراكا لهذا الخطر، باتت السلطات الأمنية في المغرب تعتمد على تقنيات متطورة لرصد وتتبع هذه الأنشطة الرقمية ، كما أشرنا سابقا ، مع السعي للحفاظ على توازن دقيق بين حماية الخصوصية الفردية وضمان الأمن الجماعي . ورغم ذلك، فإن حماية المجتمع من هذا الإرهاب الرقمي تتطلب تعزيز الوعي الفردي والجماعي ، من خلال نشر ثقافة نقدية تحصن العقول ضد الدعاية المضللة.
ختاما ، في ظل هذا التحدي المتنامي ، يظل المغرب نموذجا في استباقية تشريعاته وقدرته على التصدي للفكر الإرهابي، جامعا بين الصرامة القانونية والالتزام بحقوق الإنسان. إن الجهاد الإلكتروني، رغم قوته، يبقى سلاحا يمكن مواجهته إذا توفرت الإرادة المجتمعية والوعي العميق بخطورة الرسائل المضللة التي تخترق الفضاء الرقمي، مستهدفة السلم والاستقرار باسم الدين أو الأيديولوجيا.
ذ /الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.