المواطن

جربوا أن تفعلوا في الواقع ما تفعلونه عبر الفيسبوك.. وستروْن.. !

الدار – أحمد الخليفي

في لحظة ما.. قرر شخص أن يجعل من حياته الخاصة قضية مشتركة، فنزل إلى الشارع وصار يطلب من المارة أن يكونوا أصدقاء له، وهو أيضا عرض عليهم أن يصير صديقا لهم ويحكوا لبعضهم البعض ما يحدث لهم يوميا في حياتهم الخاصة والعامة.

أخرج من جيبه صورا له ولعائلته وأصدقائه وبدأ يعرضها على الناس في الشارع. عرض عليهم صوره وهو يستيقظ من النوم، ثم وهو يتناول فطوره، وبعدها وهو يتوجه إلى العمل، وحكى لهم عن أصدقائه في الشغل ومشاكله وطموحاته.

في اليوم الموالي نزل إلى الشارع وعرض على الناس متاعبه الصحية المفاجئة. أوقف بعض المارة وعرض عليهم نتائج الفحص الطبي. قال لهم إن الأطباء نصحوه ببعض الراحة وعدم الانفعال والسفر مع زوجته في رحلة استجمام إلى مكان ما، ثم وعد العابرين بأنه سيعرض عليهم صور عطلته مع زوجته عندما يعود.

ولأنه ليس وحيدا في المنزل، فإن نزل في يوم آخر وأخبر الناس بالخلاف الذي وقع له مع زوجته ليلة أمس حول شيئين، أولها حول وجبة العشاء التي لم تكن مناسبة، والثانية حول رغبة كل منهما في مشاهدة فيلم مختلف على التلفزيون، وقال للناس إنه اضطر لترك زوجته تشاهد فيلمها الذي تريد، بينما انصرف هو إلى قراء كتاب.

بعد أيام فوجئ هذا الشخص بأشخاص يطرقون باب منزله، وطلبوا منه الجلوس رأسا لرأس لبعض الوقت، ثم سألوه عن حياته وشؤونه الخاصة والعامة، وأعربوا له عن رغبتهم في مساعدته لعرضه على طبيب نفسي للخروج من حالته النفسية المتأزمة.

بعدها صار عدد من أفراد الشرطة يتتبعون هذا الشخص ويراقبونه عن كثب خشية أن يؤذي نفسه أو يؤذي العابرين عبر التطفل عليهم وتقديم حياته الخاصة وأفكاره لهم في الشارع العام.

هذه ليست قصة خيالية، وليست أيضا قصة واقعية، لكنها حكاية تترجم إلى حد كبير ما يعيشه الناس على وسائط التواصل الاجتماعي.

إن ما قام به هذا الشخص مباشرة مع الناس ومن دون صفحة على الأنترنيت اعتبر شيئا شبيها بالجنون، وأصبح في عداد المجانين أو يكاد، فليس من المعقول أن يتحول الناس إلى هدف لإمطارهم بما تقوم به من الصباح إلى المساء، وليس معقولا أن تعرض عليهم صداقتك أو تقبل صداقتهم.. أو تبكي وتشكي دون سبب، فلا شان لهم بك ولا شأن لك بهم، لكن هذا ما يحدث فعلا عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

لكن من الغريب أن الناس الذين يقومون بذلك عبر وسائط التواصل الاجتماعي يعتبرون عاديين جدا، أو أعقل العقلاء، بينما لو قاموا بذلك مباشرة مع الناس لاعتبروا أكثر الناس حمقا وأكثرهم حاجة للعلاج النفسي.

يا له من عالم غريب.. !

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى