أسرار قبضة الموت.. كيف يسيطر الفطر القاتل على النمل؟
صار العلم كل يوم يوثق مشاهدات من الطبيعة تفوق الخيال في الغرابة، مثلا فطر الكورديسيبس الذي يهاجم النمل الحفار ويغسل دماغه فتنمسخ تصرفات النملة المصابة وتتصرف فقط كما تملي عليها إرادة الفطر، فتعتزل جماعتها وتمضي منفردة في رحلة تسلق عجيبة حتى تبلغ غصنا له ارتفاع محسوب، فتقبض عليه بفكيها القويين حتى يلتهمها الفطر تماما من الداخل وتموت متخشبة على هذه الوضعية، ثم تخرج أبواغ الفطر من رأس الجثة لتحلق في الهواء وتحط على ضحية جديدة.
المخ أم العضلات؟
لكن كيف يجبر الفطر فكي النملة على اتخاذ قبضة الموت الأخيرة هذه؟ تجيب عن ذلك دراسة نشرت بدورية إكسبريمنتال بيولوجي، جاء فيها أن السبب الحقيقي وراء قبضة الموت هذه هو استهداف الفطر لعضلات فكوك النمل الحفار نفسها، لا لأدمغته.
وقد استعان فريق البحث في دراسته بمستعمرات نمل أنشأها في المعمل، واختار من بينها مجموعات عرضها لعدوى فطر الكورديسيبس، وتابع ظهور أعراض الإصابة عليها حتى الوصول إلى النقطة التي تبحث النملة فيها عن أي شيء يصلح للقبض عليه بقوة شديدة بين الفكين.
في حين عرضت مجموعات أخرى لفطر آخر (بوفاريا باسيانا) وهو يقتل النمل أيضا لكن دون قبضات موت.
وقد توصل فريق البحث إلى استنتاجه بعد فحص الألياف المخططة لعضلات فكوك النمل المصاب بعدوى الكورديسيبس تحت المجهر الإلكتروني.
تقول كولين مانجولد باحثة البيولوجيا الجزيئية بجامعة ولاية بنسلفانيا والمشاركة بالدراسة: عند النظر إلى العضلات المصابة في وقت قبضة الموت، وجدنا خطوط الألياف في حالة تورم شديدة.
ومن اللافت أن الفطر -فيما يبدو- يهاجم ألياف العضلات بضراوة دون أن يؤثر على الوصلات العصبية المتحكمة بالعضلات، وأن الخلايا العصبية المحركة والموصلات العصبية العضلية تبقى بلا أذى رغم الانقباض المرضي الشديد الذي تظهره أنسجة العضلات نتيجة لاكتساح الفطر.
أسئلة مستقبلية
أما عن الكيفية التي ينشئ الفطر بها قبضة الموت، فلا تزال تفاصيلها غير معروفة. لكن الفحص المجهري كشف عما يمكن أن يكون دليلا لفهم المزيد عنها في المستقبل، وهي تلك الحبيبات الصغيرة المصفوفة في عناقيد تظهر على ألياف العضلات المصابة، والتي تظن مانجولد ورفاقها أنها من الممكن أن تكون نوعا من الحويصلات الناقلة لمواد كيميائية معينة يحفز الفطر تكوينها ويرسلها عبر هذه الحبيبات لتحدث تأثيرها في ألياف العضلات مباشرة، وهو ما ينوي فريق البحث استقصاءه قريبا.
وقد تبادر عقول البشر -عندما يكشف لها العلم عن قصص كهذه – إلى التساؤل عما إذا إن كانت هناك أنواع من فطر الكورديسبس أو غيره تستطيع استهداف البشر بطريقة مشابهة، وهو ما طرحته بالفعل لعبة الفيديو الشهيرة "ذا لاست أف أس" حيث يقضي نوع من الكورديسيبس على أكثر من نصف البشرية ويحولهم إلى "زومبي".
غير أن العلم يطمئننا أيضا إلى أن علاقة الكورديسيبس بالبشر آمنة بل نفعية، حيث يستخدم أحد أنواعه لإنتاج عقاقير مثبطة للمناعة، وهي ضرورية في حالات أمراض المناعة الذاتية أو نقل الأعضاء.
وحتى مانجولد تدعونا إلى ألا نقلق من وباء زومبي عالمي يبدؤه الكورديسيبس، وتقول مازحة إن تهديدا كهذا يجب ألا يشغل إلا النمل.
المصدر / وكالات