سلايدرفن وثقافة

الأعمال الفنية الرمضانية: تخمة في الإنتاج ورداءة في الجودة

بقلم: ياسين المصلوحي

أصبح يشكّل شهر رمضان المبارك موسمًا للتنافس بين شركات الإنتاج الفني والمخرجين منذ سنوات طويلة، حيث تحوّل هذا الشهر الفضيل إلى موعد للانفجار التعدادي لعدد الإنتاجات المعروضة على شاشة التلفاز. وعلى كثرة هذه الإنتاجات، إلا أن عنصر الجودة يمكن القول إنه شبه غائب عن الغالبية العظمى منها، حيث تتعرض كلها لوابل من الانتقادات، سواء من الجمهور العادي أو من النقاد المحترفين.
من جملة الانتقادات الموجهة للمجال الفني خلال هذه المحطات، هو التكديس المهول لعدد البرامج والأفلام والمسلسلات في شهر واحد من السنة، وإعادة تكرير هذه المواد فيما تبقى من السنة من خلال برمجة إعادة عرضها، عوض تفريقها على طول السنة. زد على ذلك رتابة الوجوه الفنية التي تحتل الشاشة التلفزية، حيث أصبح المشاهد المغربي على موعد سنوي مع نفس الوجوه، بل تجد نفس الممثل في جل، إن لم نقل كل، الأعمال الرمضانية المعروضة في نفس الوقت وعلى مختلف القنوات العمومية، لدرجة الملل من نفس الممثلين. كما أن بعض الممثلين يصلون إلى درجة النمطية في تأدية الأدوار الفنية، حيث يتقمصون شخصية في دور فني معين يصعب عليهم الخروج منها، رغم تغير الدور والشخصية والعمل الفني ككل، ويبقون حبيسين لها.
أما بالحديث عن الأعمال الكوميدية، فللأسف لم يبقَ منها إلا الاسم، إذ تفتقر لأبسط مقومات الهزل واستخراج ضحكات حقيقية من المشاهد، خصوصًا مع انقراض جيل الرواد الحقيقيين و غياب بعض الأسماء العملاقة التي غيبها الموت او تم تغييبها لكونها لا تتماشى مع مشروع التفاهة و الرداءة التي يتبناه بعض المخرجين المتطفلين على الميدان وحتى من بقي منهم وحاول التأقلم، فقد انصهر في موجة الابتذال الكوميدي في إطار “سيتكومات” مستهلكة، تحدد للمشاهدين الفواصل التي يجب الضحك فيها رغم عدم الحاجة للضحك أصلًا، عبر بثّ أصوات قهقهات مستفزة. وكل سنة، نشاهد نسخة طبق الأصل، اللهم تغيير العناوين وبعض الديكور، مع الاحتفاظ بنفس الوجوه ونفس الجودة المتدنية للأسف.
هذا المستوى، الذي يكاد يكون عليه إجماع بتدني جودته، دفع عدة مواطنين للبحث عن بدائل فنية أخرى، حيث نلاحظ هجرة إلى الأعمال الفنية المعروضة على موقع “يوتيوب” بمبادرات فردية من بعض الفنانين، والتي، بمقارنتها بما يعرض على القنوات الرسمية، نجد أنها تقدم منتوجًا أفضل، وهو ما يترجمه عدد المشاهدات المرتفع. كما يتم تسجيل إقبال كبير على بعض المنصات والوسائط العربية أو الأجنبية التي تقدم أعمالًا درامية وكوميدية تحظى باهتمام كبير، رغم أنها ليست في متناول الجميع بسبب ضرورة تأدية واجب الاشتراكات الشهرية، إلا أن نسبة من المغاربة أصبحت تفضلها على ما تقدمه القنوات الرسمية.
قد يقول قائل إن نسبة المشاهدات المرتفعة، وخصوصًا في ساعة الذروة، تظهر إقبالًا كبيرًا للمغاربة على الأعمال التلفزية من خلال ملايين المشاهدات التي يتم تسجيلها، إلا أن المعيار الكمي لا يمكن أن يقدّم تقييمًا سليمًا لمدى رضا المغاربة على ما يُعرض لهم، خصوصًا في ظل غياب بديل تنافسي حقيقي، وأمام استنساخ لنفس التجربة في القنوات الرسمية، وهيمنة شركات الإنتاج نفسها التي تحتكر المشهد وترتبط بعقود مع نفس المخرجين ونفس الممثلين، مما سيقدم لنا إعادة تدوير لنفس الأعمال الفنية.
وعلى اعتبار أن المجال السمعي البصري يُموَّل من جيوب المغاربة من خلال الضرائب والرسوم التي يؤدونها، فإن المواطن المغربي من حقه أن يحظى بمجال فني مبدع ومتميز، يقدّم له منتوجات ترقى لما يتطلع إليه، برسائل هادفة وقيم مجتمعية حضارية، عوض ما يتم عرضه من قيم تؤثر سلبًا على التماسك الاجتماعي، من خلال دسّ أفكار عقوق الوالدين، وهيمنة أحد الزوجين على الآخر، والتطبيع مع الخلاعة واللباس الفاضح، والرفع من مكانة بعض السلوكيات المشينة، والتقليل من شأن بعض المهن والوظائف السامية، وتسليط الضوء على البلطجة، ودفع القدوات الفاضلة إلى منطقة الظل، بدعوى نقل الواقع، وأن الفن يعكس حقيقة المجتمع، مع العلم أن المجتمع لا يتضمن هذه المظاهر فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى