أخبار الدار

بعد ربع قرن من إغلاقها.. هل تفتح القوى الناعمة الحدود المغربية الجزائرية؟

الدار/ رشيد عفيف

أثار مشهد المواطن الجزائري الذي اقتحم الحدود بين المغرب والجزائر عقب تأهل محاربي الصحراء إلى نصف نهاية كأس إفريقيا سيلا من التعاطف والانفعال في أوساط الرأي العام في البلدين. هذا المشهد المشحون بالكثير من المشاعر والانفعالات يأتي في سياق سياسي إقليمي خاص وفي ظرفية تمر بها العلاقات بين البلدين بمنعطف قد يكون تاريخيا بالنظر إلى مآلات رياح التغيير التي تعصف بالجزائر. فمنذ أن انطلق الربيع الجزائري في 22 فبراير الماضي بدأت قضية العلاقات الجزائرية المغربية وعلى الأخص مسألة الحدود تحتل حيزا كبيرا من الاهتمام في وسائل التواصل الاجتماعي على الخصوص.

ويوما عن يوم تتزايد الأصوات المرتفعة المطالبة بإنهاء إغلاق الحدود البرية بين الرباط والجزائر والتي أغلقت في صيف 1994 عقب الأحداث الإرهابية التي ضربت فندق أطلس أسني بمراكش وتورط فيها مواطنون من أصول جزائرية.  حينها كان القرار الأول بفرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين الراغبين في زيارة المغرب إيذانا بتعنت جزائري سيطول لعقود بعد أن اتخذت السلطات الجزائرية قرارا بإغلاق الحدود البرية. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت نقطة "زوج بغال" الحدودية رمزا لتأزم العلاقات بين البلدين واستمرار الخلافات الثنائية بخصوص كثير من القضايا.

لكن ما عجزت عنه السياسة تحاول اليوم الرياضة والفن ومختلف القوى الناعمة إنجازه. فالتعاطف المتبادل بين جماهير كرة القدم في دعم المنتخبات المغاربية المشاركة في كأس إفريقيا أظهر أن هناك روحا جمْعية تسري في أوساط شعوب المنطقة وتريد أن تتجاوز إرثا تاريخيا موروثا عن الماضي المحزن للعلاقات بين البلدين. ومن الظاهر أن تنامي هذه الروح خصوصا في الداخل الجزائري متأثر أساسا بتداعيات الربيع الجزائري وانتفاضات الجمعة التي أضعفت كثيرا موقف حراس المعبد الجزائري الذين يحرصون على استمرار تأزيم العلاقات بين البلدين ويتعلق الأمر بالمؤسسة العسكرية.

فبعد أن كان الحديث عن فتح الحدود مع المغرب من الطابوهات التي تحرص السلطات الجزائرية على عدم انتهاكها سواء على المستوى الإعلامي أو الحزبي أو الثقافي، خرجت مواقف الرأي العام اليوم عن السيطرة وأضحت الأصوات الداعية إلى تطبيع نهائي بين البلدين تتحدث في وضح النهار. وتشاركت الجماهير الجزائرية والمغربية في الأيام القليلة الماضية مشاعر الدعم والمساندة المتبادلة بمناسبة الكأس الإفريقية. وإذا كان ساسة الجزائر لا يزالون يتشبثون ظاهريا بموقفهم المتعنت وبشروطهم المصطنعة فإن صمودهم أمام تأثير القوى الناعمة التي تعلن اليوم موقفها صراحة قد لا يطول خصوصا في حال ما إذا زاد الحراك الجزائري من عنفوانه وتشبث بمطالبه التي على رأسها تنحي كل رموز النظام السابق.

ويعد نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة مسؤولا مباشرا عن تأزيم قضية الحدود البرية بعد أن استغلها لسنوات في استدامة التوتر في العلاقات بين البلدين، ورفض كل المبادرات التي كان المغرب يقدمها ولا يزال من أجل تجاوز هذا الخلاف واتخاذ خطوة أولى نحو التطبيع النهائي. ففي الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء دعا الملك محمد السادس في خطاب له نونبر الماضي إلى إعادة فتح الحدود واقترح إنشاء آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور. وأكد الملك في هذا الخطاب انفتاح المغرب على المقترحات والمبادرات التي تتقدم بها الجزائر بهدف تجاوز الجمود في العلاقات بينهما. لكن هذه الدعوة الملكية قابلها جفاء جزائري معهود بعد أن عاد المسؤولون الجزائريون إلى تكرار الشروط التعجيزية المجحفة التي تطعن في الوحدة الترابية للمغرب.

وفي ظل عناد السلطات الجزائرية ورفضها لكل مبادرات التطبيع التي اقترحها المغرب، تتنامى اليوم الدعوات الشعبية تحت شعار "خاوة خاوة" لتجاوز الوضع الموروث عن حقبة من الصراع المتجاوز. وبفضل ما تمثله اليوم شبكات التواصل الاجتماعي ومختلف أشكال الإعلام البديل فإن هناك مجالا مفتوحا أمام الدبلوماسية الشعبية والرياضية والفنية وكل أشكال القوى الناعمة للعب أدوار أكثر تأثيرا في حلحلة هذه المعضلة التي طالت وعمرت أكثر من اللازم. فهل تنجح هذه القوى الناعمة في فتح الحدود البرية المغلقة منذ ربع قرن؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 − 6 =

زر الذهاب إلى الأعلى