
بقلم: ياسين المصلوحي
أعادت واقعة اعتداء شابة على رجل سلطة برتبة قائد، رئيس ملحقة إدارية بمدينة تمارة، قضية الاعتداءات الجسدية والمعنوية على الموظفين العموميين بشتى أشكالهم، ورجال القوات العمومية على وجه الخصوص، إلى ساحة النقاش الاجتماعي، إذ يعتبرها العديد انعكاسًا للترف الحقوقي أو الفهم الخاطئ، الأعوج، لمفهوم الحرية وحقوق الإنسان. كما لا يمكن عزل هذه الواقعة عن سلسلة سابقة من الاعتداءات التي تطال عناصر القوات العمومية من أمن وطني ودرك ملكي وعناصر المياه والغابات والسلطة المحلية، وعموم الأجهزة التي تسهر على استتباب الأمن والاحتكاك المباشر مع المواطن.
حيث، ومع حملات تحرير الملك العمومي الأخيرة، تم تسجيل اعتداءات عديدة من المواطنين في حق الموظفين، لعل آخرها ما تعرض له ضابط أمن ممتاز بالقصر الكبير من اعتداء بالسلاح الأبيض على مستوى العنق، يوم الأحد الماضي، وعملية السحل التي تعرض لها رجل سلطة بمدينة الجديدة من طرف أحد سائقي دراجة ثلاثية العجلات يوم 24 مارس الجاري، وعمليات الدهس التي تطال عناصر الأمن الوطني والدرك الملكي في السدود القضائية، والتهديدات الجسدية التي يتعرض لها موظفو المياه والغابات خلال تدخلاتهم الميدانية لحماية الموروث الغابوي بشتى ربوع المملكة.
هذا التسيب وتجاوز الحدود في التعامل مع ممثلي السلطة والساهرين على النظام العام مرده لعدة أسباب، تنطلق من حالة الحقد التي تطال رجال السلطات العمومية واعتبارهم أعداء وخصوما دائمين، ومواجهتهم أمر ضروري، كما لو أنهم ليسوا مغاربة جاورونا في مقاعد الدراسة، وردهات المستشفيات العمومية، ويصلون إلى جانبنا في المساجد. وهذا الحقد يجد تغذيته، في غالب الأحيان، بسبب فشل البعض في تقلد مثل هذه المناصب، وعدم الحصول على فرصة لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي، فيقوم الفرد بتصريف أزمته عبر تفجير جام غضبه وحقده على الناجح في المجتمع، بغض النظر عن مكانته. زد على ذلك حالة الاحتقان التي قد يغديها شطط أحد رجال السلطة أو تجاوز في استعمال السلطة الموكلة إليه، في حالات استثنائية شاذة عن العادة، ما يولد اعتراضًا وانتفاضة في وجه السلطة ككل، وحالة من العصيان. كما يكون ذلك بسبب الإفراط في التشبع بالإيمان بالحقوق، والاعتقاد بأن المواطن فوق كل مساءلة، وأنه منصور في مواجهته للسلطة، ظالمًا أو مظلومًا، خصوصًا مع الدعم والتحفيز العشوائي، والترافع المزيف الذي يتلقاه البعض بواسطة المنابر الإعلامية التي تتصيد مثل هذه الفرص، أو الدكاكين الحقوقية المناسباتية التي تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما يتعلق الأمر باعتداء على مواطن، بينما تبتلع لسانها وتخرس أصواتها عندما يكون الضحية أحد رجال القوات العمومية، حيث نادرًا ما نسجل تضامن إحدى الهيئات الحقوقية مع الضحايا من رجال السلطة، ويعتبرون أن ما يتعرضون له من اعتداءات يدخل ضمن مخاطر المهنة، وأنهم يتلقون أجرًا مقابل ذلك، مغيبين الحس الإنساني، وأن ذلك الموظف إنسان قبل كل شيء، وأن مهنته يمارسها خلال 8 ساعات فقط، ثم يعود لصفوف المواطن البسيط مهما علا موقعه.
إن من بين مخلفات الاستعمار الثقافي التي نشرها في المجتمع، زرع الفتنة والتفرقة بين المواطن العادي والمواطن المسؤول، وذلك من خلال اختيار سلطات الحماية بدقة لمن يعينونهم في مناصب المسؤولية، حيث كانوا يتصفون بالخنوع وخدمة المصلحة الشخصية، وفعل أي شيء في سبيل الحفاظ على امتيازاتهم وتقربهم من المستعمر. وقد بقيت هذه الصورة النمطية عند العديد من المغاربة، وتناقلوها فيما بينهم كحكم مطلق على رجال السلطة والأعيان، وكل من يختلف معهم في الطبقة الاجتماعية، على أنه خصم إن لم نقل عدوًا.
أكيد أنه بعد اعتقال المتورطين في أي اعتداء على الموظفين سيتم تطبيق القانون باعتباره علاجًا للمرض المجتمعي الحاصل، لكن يجب التفكير في سبل للوقاية وتلقيح المجتمع حتى لا يصاب بهذا المرض أصلًا، من خلال نشر ثقافة التعايش الاجتماعي بين الأفراد، وإيصال رسالة أن القائد، أو الشرطي، أو القاضي، أو الوالي، أو الدركي هم مواطنون كسائر المواطنين، لديهم مهمة يقومون بها، وبمجرد انتهاء مناوبتهم يخلعون رداء المهنة، ويعودون لصفوف المواطنين. ويجب على المسؤولين أنفسهم أن يعوا هذه الحقيقة، لكي لا ينصهر الجزء الإنساني لديهم في الجزء المهني، وبالتالي يصعب عليهم الخروج منه. والأهم من ذلك، هو نشر ثقافة سيادة القانون على الجميع، وأن الحق والحرية يجب أن يُمارسا بمسؤولية، فمن حق المواطن أن يحتج على قرار أو تصرف سلطة ما، لكن دون التجاوز في استعمال الحق ليصل إلى درجة الاعتداء على الغير.