أخبار الدارالملكسلايدر

التعيينات الملكية الجديدة : تعزيز للحكامة

التعيينات الملكية الجديدة : تعزيز للحكامة

بقلم: ياسين المصلوحي

لقد شكلت التعيينات الملكية الجديدة على رأس مجموعة من المؤسسات الدستورية مادة دسمة للنقاش والتحليل، كان أولها الاثنين الماضي، بتعيينه للسيد عبد القادر اعمارة رئيسًا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والسيد محمد بنعليلو رئيسًا للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والسيد حسن طارق وسيطًا للمملكة. حيث لم يكد ينته المحللون من مناقشة خلفيات هذه التعيينات حتى قام جلالته بتعيينات جديدة أخرى، من خلال تعيين السيدة رحمة بورقية رئيسة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والسيد محمد الحبيب بلكوش مندوبًا وزاريًا مكلفًا بحقوق الإنسان، وتجديد الثقة في السيدة أمينة بوعياش رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
شكلت هذه التعيينات منعطفًا مهمًا في مسار هذه المؤسسات الدستورية، وذلك من خلال ضخ دماء جديدة فيها، كما أبرزت الحرص الشديد للملك محمد السادس على احترام حقوق الإنسان ومأسستها، وإعطاء دينامية جديدة لبعض هيئاتها، وكذلك تمكين هذه المؤسسات الدستورية من الكفاءات والقدرات البشرية التي يمكنها عكس الرؤية الملكية لمجال حقوق الإنسان وتنزيلها على أرض الواقع، وتواصل المؤسسات فيما بينها من جهة، وبينها وبين المواطن من جهة أخرى. كما يوضح الاهتمام البالغ بمجال التربية والتكوين والبحث العلمي وما يتطلبه من تطوير للكفاءات وتنزيل للاستراتيجيات الرامية إلى تحسين وتجويد هذا المجال.
كما أنها تعطي إشارات بالغة إلى المكانة المرموقة التي تحتلها هيئات ومؤسسات الحكامة، كعنصر ضروري وحجرة زاوية مهمة في البناء الديمقراطي والتنموي، جنبًا إلى جنب مع باقي الهيئات المنتخبة والتمثيلية التشاركية، حيث لا يمكن تحقيق التنمية والتطور باعتماد سياسة واحدة تخطها وترسمها السلطات التشريعية والتنفيذية فقط، بل لا بد لها من هيئات موازية تقترح وتقيّم وتواكب وتدعم من أجل تحقيق الهدف المنشود.
وهو ما يبرز النموذج الاستثنائي في النظام السياسي المغربي المبني على فصل السلط وتوازنها وتعاونها، في وصفة سياسية فريدة. إضافة إلى كون هذه التعيينات الجديدة تأتي لتظهر أن الدستور المغربي هو دستور متحرك ودينامي، يتجدد من خلال تجديد هيئات الحكامة المنصوص عليها فيه، وليس دستورًا راكدًا يبقى حبيس الرفوف أو يتم الاحتكام إليه في الجانب القانوني فقط، بل هو حيّ وحيوي يتم التعامل معه في كل جوانب الحياة المجتمعية.
من جهة أخرى، فإن أغلب الأسماء المعينة، إن لم نقل كلها، تعتبر موضع إجماع من طرف الأكاديميين والباحثين على كفاءتهم وخبراتهم ونزاهتهم، وهو ما يعكس سدادة الرأي في تعيينهم وحسن اختيارهم من أجل تحقيق الأهداف المتوخاة. كما أن هذه الأسماء من شأنها أن ترفع من منسوب الثقة المجتمعية في هذه المؤسسات، وتربط جسرًا من التواصل بين المواطن ومؤسسات وطنه، خصوصًا مؤسسة الوسيط التي كانت تسمى سابقًا “ديوان المظالم”، والذي يلجأ إليه المواطن البسيط الذي يوجد في حالة نزاع إداري مع الدولة أو مؤسساتها أو إداراتها. وبالتالي، فإن تعيين أكاديمي خبير في مجال حقوق الإنسان والقانون العام من شأنه أن يعيد التوهج لهذه المؤسسة.
عموماً، لقد لقيت هذه التعيينات استحسانًا كبيرًا من طرف الخبراء والباحثين والمواطنين على حد سواء، معتبرينها خطوة مهمة في تكريس سيادة القانون ونشر ثقافة احترامه، وكذلك انعكاسًا لالتزام أعلى سلطة في البلاد ورئيس الدولة بمقتضيات الدستور، واحترامه لهيئات الحكامة باعتبارها سلطة مكملة للسلط المذكورة في الدستور.
يبقى فقط الوضع في حاجة إلى إرادة سياسية حقيقية وقوية من طرف الفاعلين السياسيين، لمساعدة هذه الهيئات على أداء مهامها وتحقيق أهدافها، بعيدًا عن الحسابات الضيقة ومحاولة احتكار الإصلاحات الاجتماعية والهيمنة عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى