سلايدرمغرب

تازة قبل غزة.. أو حينما تتحول الشعارات إلى أدوات لإعادة تشكيل الوعي الجمعي

ذ/ الحسين بكار السباعي*

غالبا ما تحمل الشعارات رسائل مهمة، تتحول من مجرد ألفاظ إلى أدوات فعالة في توجيه الرأي العام وتعبئة الجماهير، إذ تختزل مضامين معقدة في عبارات موجزة، تلامس العاطفة وتستثير الوعي الجمعي، مما يجعلها أحد أهم وسائل التأثير في الساحة السياسية والاجتماعية.
إنها شعارات تحمل رسائل عميقة، تتجاوز كينونتها من مجرد عبارات ،رنانة وطنانة تردد في الفضاءات العامة أو تكتب على الجدران، لتصبح أدوات رمزية تصوغ الوعي الجماهيري، وتعيد ترتيب خريطة الإنتماء، وتحرك ساكن النقاش العمومي.

في هذا السياق، تتجلى أهمية شعار “تازة قبل غزة”، الذي راج بين فئات من الشباب المغربي، لا بإعتباره شعارا ضد فلسطين، بل كتعبير صريح عن مفارقة حادة تسكن الخطاب السياسي والإجتماعي المغربي . فهذا الشعار لا يخلو من سخرية لاذعة، تدين إزدواجية المواقف لدى بعض الفاعلين ، الذين يرفعون صوتهم عاليا في الدفاع عن قضايا أممية ، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ، بينما يلوذون بالصمت، أو يتعاملون بلا مبالاة، مع قضايا وطنية حارقة، تتصل بالتنمية، والعدالة الاجتماعية، وبقضايا الوطن العادلة والمصيرية ، و في مقدمتها قضية الصحراء المغربية.
إن هذا الشعار، في جوهره تمرين سياسي على ترتيب الأولويات، ومحاولة لتحرير التضامن من الانتقائية، فالدعوة إلى “تازة قبل غزة” ، لا تنطوي على تخل عن القضايا الإنسانيةالعادلة في العالم، بل تؤكد على ضرورة عدم تجاهل القضايا العادلة داخل الوطن . إنها وقفة إحتجاج ضد التواطؤ الصامت مع مظالم داخلية، تكتسي لبوسا من الوطنية المجروحة، حين يختزل الإنتماء في البكاء على أنقاض الآخرين، وينسى صراخ المهمشين في القرى والجبال، من تازة إلى زاكورة، ومن الحوز إلى فيافي الجنوب.

من “تازة إلى غزة” ، شعار يفضح ذلك التوظيف الإيديولوجي والسياسي للقضية الفلسطينية من طرف بعض التيارات، التي تحولها إلى رافعة إنتخابية، أو غطاء لمواقف مراوغة تخفي مواقفها الحقيقية من قضايا الوطن، وعلى رأسها وحدة المغرب الترابية. إن المغاربة، وهم يعبرون عن تضامنهم الصادق مع فلسطين، لا يقبلون أن يزايد عليهم أحد في وطنيتهم، ولا أن توظف عواطفهم كوسيلة لطمس أولوياتهم الإجتماعية والإقتصادية، أو للتغطية على إخفاقات الفاعلين السياسيين .
وما أجمل أن يحمل شعار “تازة قبل غزة” في طياته نداءا خافتا للإعتراف بخصوصية الهوية المغربية المتعددة المشارب، والتي يشكل المكون الأمازيغي ركانها وعمادها أسسها المتين .فالشعور بالإقصاء اللغوي والثقافي والاجتماعي يدفع فئات واسعة إلى التشبث بالمحلي والوطني، كوسيلة للدفاع عن الذات والهوية والإنتماء. ومن ثمة، يصبح هذا الشعار صرخة وطنية، بلسان مغربي صادق، لا تخفي حرقتها ولا تنكر إنسانيتها، لكنها تطالب بمراجعة شجاعة للخطاب السياسي والإعلامي الذي يضع القضايا القومية فوق القضايا الوطنية، في خرق صريح لمنطق العدالة السياسية.

ختاما ، إن شعار ” تازة قبل غزة ” ، هو وفاء لشهداء الصحراء، ولقسم المسيرة الخضراء ، إنه شعار حارق ، ينطق بإسم جميع فقراء الجبال، وبإسم العاطلين في الأطلس، والمحرومين في الهوامش، وبإسم من لم يجدوا مدارس في قراهم، ولا مستشفيات تليق بكرامتهم . في حين ترفع الشعارات البراقة باسم قضايا كان المغرب ملكا وحكومتا وشعبا ، ولازال المدافع الأول عنها ،فلا يقبل فيها الدروس من أحد . من هنا، يستمد هذا الشعار قوته الرمزية، ليس في معناه الظاهر، بل في ما يخفيه من وجع، ويقترحه من أولويات، وينادي به من وطنية صافية وصادقة ، لا تختزل في الهتاف، بل تتجلى في العمل والمساءلة والانتصار لقضايا الوطن أولا ، ثم أولا وأخيرا.

*محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى