أخبار الدارسلايدرفن وثقافة

الدراما المغربية بين غزارة الدعم وشُحّ الإنتاج الهادف: أين الأفلام التي تُجسّد تاريخنا وهويتنا؟

الدراما المغربية بين غزارة الدعم وشُحّ الإنتاج الهادف: أين الأفلام التي تُجسّد تاريخنا وهويتنا؟

الدار/ إيمان العلوي

في كل موسم درامي، يتجدّد السؤال المحيّر الذي يؤرق بال كثير من المغاربة: لماذا لا تُترجم المليارات التي تُضخّ في قطاع الإنتاج السمعي البصري إلى أعمال تُحاكي تاريخ المغرب العريق، وهويته الغنية، وتقاليده المتجذرة؟ لماذا تغيب المسلسلات والأفلام التي تخلّد شخصيات بارزة من سلاطين وملوك الدولة العلوية، في وقت تزدهر فيه الأعمال السطحية والمكرّرة التي لا تعكس لا عمق المجتمع المغربي ولا تنوعه الثقافي والحضاري؟

تُخصص سنوياً عشرات الملايين من الدراهم لدعم الإنتاجات التلفزية والسينمائية، عبر المركز السينمائي المغربي وغيره من الهيئات العمومية، في إطار تشجيع الإبداع الوطني. غير أن المتأمل في المخرجات يجد أن أغلب هذه الأموال تُصرف على أعمال تجارية باهتة، خالية من الرسائل، تفتقر إلى رؤية إبداعية، وتُعيد تدوير قصص مكررة لا تضيف جديداً إلى المشهد الثقافي المغربي.

وبحسب تقرير صادر عن المركز السينمائي المغربي سنة 2024، فقد تم صرف أكثر من 60 مليون درهم كدعم مباشر للأفلام والمسلسلات. لكن النسبة الساحقة من هذه المشاريع تتجه نحو الكوميديا الخفيفة أو الدراما الاجتماعية المعاصرة، بينما تندر الأعمال التاريخية أو الوثائقية التي تعالج الذاكرة الوطنية، مثل تاريخ الدولة العلوية، أو الشخصيات الوطنية التي صنعت مجد المغرب في السياسة والدبلوماسية والمقاومة.

في الوقت الذي تنجح فيه دول مثل تركيا، مصر…، في إنتاج مسلسلات تاريخية ضخمة تُصدّر بها صورتها وهويتها للعالم، يبقى المغرب متقاعساً عن استثمار أرشيفه الملكي والوطني في مشاريع فنية تعكس عراقة الملاحم التاريخية المغربية. أين نحن من مسلسل عن السلطان مولاي إسماعيل؟ أو عن ملاحم التحرير والمقاومة ضد الاستعمار؟ أو عن المحطات الحاسمة التي صنعها ملوك المغرب في الدفاع عن وحدة التراب الوطني؟

والمفارقة أن المغرب لا يعاني من نقص في الكفاءات، ولا في القصص الملهمة، ولا حتى في البنية التحتية، فهناك استوديوهات عالمية في ورزازات، وهناك مخرجون وكتاب مغاربة قادرون على صنع محتوى بجودة دولية، لكن غياب الرؤية الواضحة لدى المؤسسات المعنية، وغياب الجرأة في تبني الإنتاجات الكبرى، جعلا المغرب يتخلف عن هذا الركب.

إن تغييب التاريخ والهُوية من الشاشة، يفتح الباب أمام فراغ خطير، يُملؤه المحتوى الأجنبي، أو الإنتاجات السطحية التي لا تعكس واقعنا المغربي. وقد حذّر عدد من الباحثين في مجال الإعلام والثقافة من هذا الخلل البنيوي، مؤكدين أن التلفزيون والسينما لا ينبغي أن يكونا مجرد وسيلتين للترفيه، بل هما من أدوات السيادة الثقافية، وصناعة الوعي الجماعي، وتعزيز الانتماء.

إن ما يحتاجه المغرب اليوم ليس فقط ميزانيات أكبر، بل إرادة ثقافية وسياسية واضحة تضع ضمن أولوياتها إنتاج أعمال درامية وسينمائية كبرى تُوثّق لتاريخ المغرب، وتُعزز من حضوره في المخيال الجمعي، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بالهوية، وصراع الروايات، وضرورة الدفاع عن وحدة التراب الوطني.

فهل نرى قريباً مشروعاً وطنياً متكاملاً، يُعطي لتاريخ الدولة العلوية مكانته في الذاكرة المرئية؟ وهل تتحرر ميزانيات الدعم من منطق العلاقات الشخصية والولاءات، لتُصرف على أعمال تخدم فعلاً المصلحة الثقافية والوطنية؟

الجواب ليس سهلاً… لكن البداية تبدأ بالاعتراف بأن الدراما ليست ترفاً، بل ركيزة أساسية من ركائز السيادة.

زر الذهاب إلى الأعلى