أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

تندوف مشتل لصناعة الإرهاب والتطرف في الغرب والساحل الإفريقي

تندوف مشتل لصناعة الإرهاب والتطرف في الغرب والساحل الإفريقي

ذ/ الحسين بكار السباعي*

تتصاعد في الآونة الأخيرة التحذيرات الدولية والإقليمية بشأن تنامي التهديدات الأمنية القادمة من منطقة الساحل الإفريقي، حيث تطرح مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر كأحد أبرز بؤر الهشاشة الأمنية في المنطقة، ليس فقط بسبب غياب الرقابة الدولية الفعلية، ولكن كذلك بفعل تزايد المؤشرات على إستغلال الجماعات الإرهابية لهذه المنطقة المعزولة، سواء لأغراض التجنيد أو كنقطة عبور نحو مناطق التوتر في الساحل وغرب إفريقيا.
لقد شكلت تندوف ، منذ عقود فضاءا معزولا يحتضن مخيمات تخضع لسيطرة جبهة بوليساريو، وسط ظروف إجتماعية وإقتصادية متردية، تنتج قابلية مرتفعة للإستقطاب والتطرف، خاصة في صفوف الشباب المحبط والمهمش. وقد رصدت تقارير أمنية صادرة عن جهات أوروبية وإفريقية تنامي ظاهرة إرتباط بعض عناصر البوليساريو بشبكات تهريب البشر والسلاح والمخدرات، بل وبتنظيمات إرهابية تنشط في منطقة الساحل، مما حول هذه المخيمات عمليا إلى فضاء رمادي خارج سيادة الدولة الجزائرية والتي تديرها مخابراتها العسكرية ، واقع يستغله المتطرفون للتموين والتجنيد ونقل العتاد.

لقد تقاطعت هذه المعطيات مع مؤشرات ميدانية على تورط عناصر من البوليساريو في دعم أو تسهيل تحركات جماعات مسلحة تنتمي إلى ما يسمى “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، التي تنشط في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وقد تم توثيق حالات تعاون لوجستي وتنسيق عسكري في مناطق قريبة من الحدود الجنوبية، ما يطرح أسئلة خطيرة حول تحول بوليساريو، و أجنحتهت الداخلية، إلى فاعل مدعوم من دولة أو أكثر ، (الجزائر -إيران ) يهدد الأمن الجماعي في المنطقة.
أمام هذا الوضع المتفاقم، أطلق المغرب مبادرة إستراتيجية أطلقت عليها المملكة ، المبادرة الأطلسية، وهي رؤية تستهدف تحويل الساحل وإفريقيا الأطلسية إلى فضاء للتعاون الأمني والتنموي المتكامل، بما يعزز قدرات الدول الإفريقية على مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة. مبادرة لقيت تجاوبا ملحوظا من دول غرب إفريقيا، التي تجد في النموذج المغربي شريكا مؤسساتيا موثوقا يمتلك رصيدا محترما في مكافحة التطرف والإرهاب ،وتعزيز القدرات الأمنية الذاتية.

وفي ظل تراجع الحضور الدولي، خاصة بعد إنسحاب القوات الفرنسية من مالي، وتعثر التحالفات الغربية، برز فراغ إستراتيجي خطير حاولت روسيا ملأه عبر مجموعات أمنية خاصة تقود عمليات و تدخلات عسكرية بالوكالة، مثل قوات فاغنر ، مما زاد من تعقيد المشهد الإقليمي، ورفع من منسوب التوتر والإضطراب، وأعطى فرصا أكبر للجماعات المتطرفة كي تمدد نفوذها في مناطق شاسعة من الساحل و الصحراء.
إن الآفاق المستقبلية توحي بمزيد من التحديات الأمنية المعقدة. فمن جهة، يتوقع أن تتكاثف الضغوط الدولية على الجزائر من أجل إخضاع تندوف لرقابة أممية شفافة، أو على الأقل تمكين وكالات الأمم المتحدة من القيام بمهام التحقيق والرصد. ومن جهة أخرى، قد تتجه دول الساحل نحو ترتيبات أمنية بديلة، تقودها قوى إقليمية فاعلة كالمغرب، لتعويض الفراغ الناتج عن انهيار المنظومة الأمنية التقليدية. أما على المدى البعيد، فإن الجزائر ستكون مدعوة إلى مراجعة إستراتيجيتها القائمة على الإنكار والمواجهة، والانخراط بدل ذلك في منطق التعاون الإقليمي الجماعي، قبل أن تنفلت الأوضاع بما لا يمكن احتواؤه.

ختاما ، تندوف اليوم لم تعد مجرد مخيمات لجوء، بل تحولت بفعل الإهمال والتسييس إلى نقطة سوداء مقلقة، تهدد الإستقرار في شمال إفريقيا الغرب الإفريقي. وإذا لم تتم إعادة النظر جذريا في طريقة تدبير هذا الملف، فإن المنطقة برمتها ستكون أمام سيناريوهات إنفجار أمني.
في المقابل، تمثل المبادرة المغربية فرصة حقيقية لتأسيس مقاربة جديدة، تؤسس لإستقرار دائم قائم على الأمن والتنمية وإحترام القانون الدولي، بعيدا عن الحسابات الضيقة والنزاعات المصطنعة.

*محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى