
بقلم: ياسين المصلوحي
عرفت الجلسة البرلمانية لمناقشة تعديلات مشروع قانون المسطرة الجنائية جوا ساخنا ونقاشات محتدمة بين وزير العدل ونواب فرق المعارضة خصوصا فيما يتعلق بالمادتين الثالثة والسابعة اللتين أثارتا جدلا واسعا بين مختلف مكونات الرأي العام
ويسحب مشروع المادة 3 حق جمعيات المجتمع المدني في إقامة الدعاوى العمومية المتعلقة بالفساد والجرائم الماسة بالمال العام أما المادة 7 فقد قيدت إمكانية تقاضي الجمعيات بشروط التوفر على صفة المنفعة العامة والحصول على إذن من وزارة العدل حسب ضوابط يحددها نص تنظيمي.
هذه المقتضيات خلقت سجالا كبيرا بين فرق المعارضة التي قدمت مقترحات تعديلية من أجل ترك إمكانية إقامة الدعاوى العمومية المتعلقة بالفساد وجرائم المال العام من طرف جمعيات المجتمع المدني مستشهدين على ذلك بتوصيات مجموعة من الهيئات الدستورية الاستشارية مثل المجلس الاقتصادي و البيئي و الاجتماعي والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها كون جمعيات المجتمع المدني تلعب دورا في محاربة الفساد والتبليغ عنه خصوصا مع التنصيص على دوره في الدستور المغربي كما اعتبرت شروط المادة 7 غير قانونية حيث أن وزارة العدل لا دخل لها في منح الإذن في التقاضي من عدمه و أن الحصول على صفة جمعية ذات منفعة عامة يعتبر شرطا تعجيزيا.
قي حين دافع وزير العدل على هذه المواد معتبرا أن تأطير محاربة الفساد من شأنه حماية المنتخبين السياسيين من الابتزاز الذي يتعرضون له من قبل بعض رؤساء الجمعيات الذين يغتنون بهذه الطريقة وأنه لا يمكن فتح ملفات قضائية بناء على دعوى من طرف جمعية ربما لها حساسيات سياسية مع المنتخبين وبالتالي تكبد عناء التحقيقات والمس بسمعة المنتخب السياسي وتحمل عبئ إثبات براءته وما يرافق ذلك من ضرر مادي ونفسي عليه. كما قلل من شأن توصيات الهيئات الدستورية التي سبق الإشارة إليها وقال أنها ليست سلطة تشريعية ولا دخل لها في مناقشة القوانين وأن ذلك اختصاص حصري للسلطة التشريعية.
وهو ما جعل مجموعة من النواب يطلبون منه احترام هذه الهيئات وعملها خصوصا وأنها منصوص عليها في الدستور ومؤطرة بالقانون وعملها يحظى بأهمية بالغة في ترشيد وتقويم السياسات العمومية.كما أشار بعض النواب البرلمانين على أن هذه الفصول من شأنها حماية الفساد وتكريس سياسة الإفلات من العقاب والانسلال من الرقابة المجتمعية.
عموما من خلال هذا النقاش لا يمكن إنكار أن الواقع يبين فعلا بعض الجمعيات التي كانت تستغل حق إقامة الدعاوى القضائية في مواجهة المنتخبين إما للابتزاز أو لتصفية الحسابات السياسية وتنفيذ اغتيالات رمزية لبعض السياسيين لكن هذا لا ينفي أن البعض الآخر فعلا استعمل هذه الآلية القانونية لمحاربة الفساد والكشف عنه وهو ما يؤكده عدد المتابعات في حق بعض البرلمانين والمنتخبين السياسية المحلين.
وعلى اعتبار أن ما لا يدرك كله لا يترك جله فالأحرى هو إيجاد حلول وسط تبقى معها إمكانية إقامة الدعاوى من طرف المجتمع المدني لكن في حال تأكد القضاء أو النيابة العامة أن الغاية من هذه الدعاوى هو الابتزاز أو التصفية السياسية فيمكن لها أنذاك معاقبة من قام بذلك ولها من الآليات والوسائل ما يمكنها من التأكد من ذلك.
لكن إما أن نترك الباب مفتوحا على مصراعيه إما أن نقفله تماما فهذا لا يستقيم مع الإرادة العامة لمحاربة الفساد على كافة المستويات خصوصا مع المؤشر الذي أصبح تعتليه المغرب في ترتيب تفشي الفساد.
فالمثل القائل أن من أمن العقاب أساء الأدب، قد يحيل على استقواء بعض المنتخبين وغوصهم في الفساد في حال تأكدهم أنهم أصبحوا بعيدين عن أعين المجتمع المدني أو الأصح بعيدين عن سلطة إقامة الدعاوى ضدهم.
لابد من تحقيق التوازن بين حق إقامة الدعوى القضائية ومسؤولية الصدق والنزاهة والموضوعية في ذلك ليكون المجتمع المدني فاعلا حقيقيا في محاربة الفساد وليس محفزا له.