مسجد السوريين بطنجة: معلمة روحية تحكي قصة الوفاء المغربي السوري منذ السبعينات
مسجد السوريين بطنجة: معلمة روحية تحكي قصة الوفاء المغربي السوري منذ السبعينات

الدار/ خاص
في مدينة طنجة، الواقعة على مفترق الطرق بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، تقف منارة روحية شاهدة على عمق الروابط الأخوية بين الشعبين المغربي والسوري، ألا وهي مسجد السوريين. هذا الصرح الديني ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو تجسيد ملموس لذاكرة تاريخية حافلة بالتضامن والوفاء والتضحيات.
تم تدشين مسجد السوريين في سبعينات القرن الماضي، عقب عودة التجريدة المغربية من الجبهة السورية، حيث شارك الجنود المغاربة بشجاعة وبسالة في حرب أكتوبر 1973 دفاعًا عن السيادة السورية في هضبة الجولان المحتلة. وقد أراد المغرب، ملكًا وشعبًا، أن يخلّد تلك اللحظة التاريخية النبيلة، فأنشأ هذا المسجد في مدينة طنجة، ليكون رمزًا دائمًا للتآزر العربي ولتكريم أرواح الشهداء الذين قضوا دفاعًا عن قضية عادلة لا تخص سوريا وحدها، بل تمس وجدان كل عربي.
ويقع المسجد في منطقة تُعرف اليوم بـحي السوريين، الذي يحمل اسمه من الموجة الأولى للهجرة السورية إلى المغرب. فمنذ سبعينات القرن الماضي، استقبل المغرب جالية سورية كريمة، هربت من الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة آنذاك، واستقرت في طنجة، فشكّلت نواة اجتماعية حافظت على روابطها الثقافية والدينية، ونسجت علاقات قوية مع المجتمع المغربي المضياف.
ويمثل هذا الحي نموذجًا حيًّا للتعايش والتكافل بين الشعوب العربية، حيث اندمجت الأسر السورية في النسيج المجتمعي المغربي، وأسهمت في الحياة الاقتصادية والثقافية للمدينة، مع حفاظها على ملامح من هويتها الأصلية، في توازن حضاري رائع.
ومنذ تأسيسه، ظل مسجد السوريين مركزًا روحانيًا ومجتمعيًا نشطًا، يُقام فيه تعليم القرآن الكريم، وتُحيى فيه الشعائر الإسلامية، كما بات فضاء للقاء الثقافات وتبادل التجارب بين المغاربة والسوريين المقيمين.
ويشهد المسجد والحي المحيط به على نجاح تجربة اندماج نادرة ومُلهمة في العالم العربي، لا سيما في ظل ما تعرفه المنطقة من أزمات لجوء ونزوح جماعي. ويُعدّ الحضور السوري في طنجة اليوم من أبرز قصص الاندماج الإيجابي التي تستحق تسليط الضوء عليها، لا سيما أن كثيرًا من أبناء الجالية السورية أسهموا في مختلف مناحي الحياة بالمدينة، من تعليم وتجارة وفن وطب.
وفي ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة، تبقى هذه الذاكرة الجماعية المشتركة بين المغرب وسوريا، والمتجسدة في معالم مثل مسجد السوريين، شاهدًا حيًا على أن التضامن العربي لم يكن مجرد شعار، بل ممارسة فعلية تجذّرت في تاريخ مشترك من النضال والدعم المتبادل.
بهذا المعنى، لا يمثّل مسجد السوريين بطنجة مجرد بناء معماري، بل هو ضريح رمزي لذاكرة نضالية وعنوان لوحدة عربية لازالت حية رغم التحديات، ويؤكد على أن العلاقات الإنسانية المبنية على التضحية والاحترام المتبادل تبقى أقوى من تقلبات السياسة والجغرافيا.