مشروع ملتمس الرقابة : حينما أسقطت المعارضة نفسها

بقلم: ياسين المصلوحي
ملتمس الرقابة هو إجراء دستوري نص عليه الفصل 105 من دستور 2011، يضمن من خلاله حق مجلس النواب في إسقاط الحكومة، شريطة توقيعه من طرف خمس أعضاء المجلس وموافقة أغلبيته.
هذه الممارسة الدستورية لوّحت بها المعارضة لمدة تقارب السنتين، في تهديد للحكومة من أجل تجويد مجهوداتها وتحسين أدائها. حيث كانت المبادرة الأولية من طرف فريق حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، رغم أنها لاقت رفضاً من طرف مكونات المعارضة أنفسهم، في تعبير عن التشتت الذي تعرفه المعارضة أصلاً. إلا أنه، وفي المبادرة الثانية التي عادت للساحة السياسية بين شهري أبريل وماي من هذه السنة، لوحظ نوع من الاستقرار والتجاوب بين مكونات المعارضة في البرلمان المغربي.
لتنفجر المبادرة هذه المرة، وبلا رجعة، في 16 ماي الجاري، بسبب الإعلان المفاجئ لفريق المعارضة الاتحادية عن انسحابه من المبادرة ووقف أي تنسيق في الموضوع، ما جعل مبادرة ملتمس الرقابة تُولد ميتة.
كان تعليل الفريق الاتحادي أنه لم يعد يلمس أية رغبة في التقدم من أجل تفعيله، والإصرار على إغراق المبادرة في الجوانب الشكلية، مع اختفاء الغايات منها كآلية رقابية من أجل تمرين ديمقراطي تشاركي، وحلول رؤية حسابية ضيقة تبحث عن الربح السريع محلها.
هذه الأسباب، التي اعتبرتها باقي مكونات المعارضة، وخصوصاً المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أنها أسباب واهية، وأن الأمر تعلّق بصفقة تم عقدها في سراديب مظلمة بين الحزب الحاكم وحزب الاتحاد الاشتراكي، حسب تعبير قيادات حزب المصباح.
والحال يقول إن هذه المبادرة لم يكن لتنجح، نظراً لعدة اعتبارات، أهمها الشرخ الواسع بين أحزاب المعارضة، وخصوصاً بين حزب الوردة وحزب المصباح، حيث تميزت فترة هذه الحكومة بتبادل الاتهامات والتصريحات بينهما. حيث، عوض توجيه فوهات الانتقاد للحكومة وممارسة صلاحياتهم كمعارضة داخل البرلمان، كان يهاجم أحدهما الآخر.
رغم أن المعارضات في العالم ككل لا يُطلب منها أن تكون منسجمة، لأنها لا تتعاقد على المعارضة وفق تقارب أيديولوجي أو برنامج معارض، عكس الأغلبية التي يُطلب فيها الانسجام من أجل تحقيق أهداف التصريح الحكومي.
كما أن محاولة الركوب السياسي على مبادرة ملتمس الرقابة شكّلت مفترق طرق بين كل مكونات المعارضة، حيث تسابقوا جميعاً على من سيقوم بقراءة الملتمس وإلقائه في البرلمان، متشبثين بالشكليات والتفاصيل، جاعلين منه مسألة وجودية، مهمِلين الهدف الأساسي لهذا الإجراء الدستوري، الذي يخلق نقاشاً سياسياً ويعيد الروح للحياة السياسية.
الواقع كان يقول أيضاً إن منطق الأغلبية العددية يحكم على هذا الملتمس بالفشل المسبق، حيث إن الحكومة الحالية ما فتئت تقوم باستعراض العضلات العددية، وأنها تتوفر على الأغلبية المطلقة في البرلمان، وهو ما يساعدها على تمرير أي قانون أو إسقاطه حسب مزاجها السياسي.
من خلال هذا “الإعدام دون محاكمة” الذي تعرض له مشروع ملتمس الرقابة، قدمت المعارضة عدة هدايا للحكومة، فقد ضعفت المعارضة أكثر مما كانت ضعيفة، وفتحت جبهات صراع داخلية تعطي حيزاً زمنياً مهماً للحكومة للعمل واسترجاع أنفاسها. بل يمكن القول إن المعارضة فجّرت نفسها تلقائياً من الداخل، وزاد اتساع الهوة بين مكوناتها.
كما أن حزب الاتحاد الاشتراكي، بهذا التصرف، زاد من تقوية الشكوك والاتهامات التي كان يوجهها له حزب العدالة والتنمية في المبادرة الأولى، حيث اتهمهم أن الأمر يتعلق بمحاولة للضغط على الحكومة قبل إجراء التعديل الوزاري، من أجل إدخال الحزب في الأغلبية الحكومية، كشكل من أشكال الابتزاز. ما أعطى مصداقية أكثر لطرح حزب المصباح، رغم أن حزب الاتحاد الاشتراكي قدّم بديلاً سياسياً آخر في شكل “ملتمس رقابة شعبي”، أي أنه سيقوم بجمع توقيعات من المواطنين لإسقاط الحكومة، وهي المبادرة التي لم يسبق لها الوجود، كما أنها آلية غير قانونية وغير منصوص عليها في أي تشريع.
هذه الاتهامات والاتهامات المضادة بين أحزاب المعارضة، للأسف، تسيء كثيراً لصورة العمل السياسي في المغرب، ويُعمّق من أزمة ثقة المواطنين في عمل الأحزاب السياسية، خصوصاً بعد تصريحات الزعماء السياسيين الذين تراشقوا فيها الاتهامات بينهم، ما ينقص من منسوب الثقة والمصداقية في الفاعل السياسي.