عيد الأضحى : آخر قلاع التقاليد في مواجهة الحداثة
عيد الأضحى : آخر قلاع التقاليد في مواجهة الحداثة

بقلم: ياسين المصلوحي
يُعتبر عيد الأضحى من بين أهم الطقوس الدينية قداسة، لما فيه من دلالة على العبودية لله والاستسلام لأوامره، حينما وافق سيدنا إبراهيم الخليل على التضحية بولده سيدنا إسماعيل عليهما السلام، امتثالًا لأوامر المولى عز وجل. وقد أصبحت سنة مؤكدة في عهد الرسول محمد ﷺ، كما أنها مرتبطة بأيام عظيمة تتجلى في موسم الحج من كل سنة.
في المغرب، تُشكل مناسبة عيد الأضحى فرصة مهمة للتغذية الروحانية من خلال إحياء هذه الذكرى، وإقامة كل الشعائر المرتبطة بها. وقد كانت على مر السنوات محطة لترسيخ القيم الدينية. ورغم تغير العادات والتقاليد التي كانت مرتبطة بهذه المناسبة، بسبب التغيرات التي عرفها المجتمع المغربي بصفة عامة، من خلال ظهور عادات جديدة من قبيل إحياء عيد الأضحى في بعض الفنادق التي تقوم بتنظيم حفلات تحاكي الأجواء العائلية داخل الفندق، أو بعض المزارع البدوية التي تقدم عروضًا تُشجع على الاحتفال بيوم العيد في شكل جماعي، وتقاسم اللحظات مع أسر أخرى، كما أن السنوات الأخيرة التي أتى فيها عيد الأضحى في فصل الصيف، حينما يكون الناس في فترة عطلة واستجمام، ساهمت في التقليل من الطابع التقليدي للاحتفال بهذا اليوم المبارك.
كل هذه التحولات، ورياح التغير التي مست مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى، إلا أنه يمكن القول إن هذا العيد لا زال يشكل آخر قلاع التقاليد المغربية التي تقاوم في وجه الغزو الحداثي، الذي يهدد كل التقاليد والممارسات المحافظة في المجتمع. حيث بقيت هذه المناسبة مرتبطة بمجموعة من المهن الموسمية، مثل بيع الفحم، والأعلاف، وتجارة الأدوات التي تدخل في مستلزمات هذا اليوم. كما يشكل موعدًا لمجموعة من الطبخات والوجبات الخاصة بهذا اليوم فقط، من قبيل بولفاف والمروزية، ومجموعة من الوجبات ذات الارتباط الوثيق بهذه المناسبة، وقد تكون فرصة لبعض الأسر الفقيرة التي لا تُشبع حاجتها في استهلاك اللحوم الحمراء إلا فيها.
ولعل ما يؤكد هذه المعطيات، هو أن هذه السنة، ورغم قرار أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله إلغاء شعيرة ذبح الأضحية حفاظًا على قطيع الماشية، ومواجهة تداعيات الجفاف، وهو القرار الذي لقي ترحيبًا واسعًا من الشعب المغربي، إلا أن أغلب الأسر قامت بشراء كمية من اللحم، كلٌّ حسب استطاعته المادية، من أجل إحياء ولو القليل من مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى. وهذا لا يُعتبر خيانة، أو لهفة، أو جشعًا، كما يحاول البعض تسويقه، بل هو تشبث وتمسك من هذه الأسر بإقامة طقوس العيد، الذي يرتبط في مخيلة المغاربة وذاكرتهم بمأدبات اللحم وأطباق الشواء، سواء كانت شعيرة الذبح أم لم تكن. فأغلب الأسر لا تستهلك اللحم بهذه الكميات المعقولة أو الوفيرة إلا في هذه المناسبة، وبالتالي، فتفويت هذه المحطة يُفوّت عليها مكونًا مهمًا من ثقافتهم اللامادية، إلى جانب فرصة للتوسعة على النفس وعلى العيال، بتناول ما لذ وطاب من أطباق اللحم.
عيد الأضحى، بالإضافة إلى أنه عيد ديني وشعيرة مقدسة دينيًا، فهو أيضًا مكون من الثقافة الجماعية للمغاربة، وكثيرًا ما كان مرجعًا تاريخيًا مرتبطًا بمجموعة من الأحداث التي يتم التأريخ لها بـ”العيد الكبير”. فعوض لوم أفراد جاهدوا وقاوموا من أجل توفير بعض الدراهم لشراء كيلوغرامات من اللحم، حفاظًا على تقاليد هذا اليوم وتشبثًا به، يجب احترام قراراتهم وتقديرها، ما داموا لم يخالفوا توجيهات أمير المؤمنين، وأن الأمر اقتصر فقط على شراء اللحم.