أخبار الدارسلايدر

طفولة مخيمات تندوف بين فكي الدعاية السياسية والإستغلال الإيديولوجي تحت غطاء “عطل في سلام”

بقلم: ذ/الحسين بكار السباعي

تعد المبادرات التي تنظمها جبهة بوليساريو بدعم وتنسيق مباشر مع السلطات الجزائرية، كبرنامج “عطل في سلام” والجامعة الصيفية لشباب المخيمات، أنموذجا واضحا لإنحراف المقاربات الإنسانية نحو أهداف سياسية خفية، لا تخدم الطفولة ، بقدر ما توظفها وقودا لحرب دعائية طويلة النفس. ممارسات تتخذ من “العمل التضامني” واجهة براقة، تخفي خلفها مشروعا مؤدلجا يروم شحن الأجيال الجديدة بأفكار الكراهية والإنفصال، وتأبيد النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

إن استقبال مجموعة من الأطفال القادمين من مخيمات تندوف في بلدية لاغونا بجزيرة تنريفي، تحت غطاء التضامن الإنساني، يشكل في حقيقته امتدادا لمنظومة دعائية متكاملة، تمارس فيها على الطفولة الصحراوية أبشع أشكال التوظيف السياسي. فقد تجاوز الأمر حدود الإستضافة البريئة، ليصبح منصة لترويج أطروحات الإنفصال، وتأطير الأطفال ضمن أطر ذهنية تصور المغرب كـبلد “عدو محتل”، في خرق سافر لجوهر المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الطفل.

فبالرجوع لإتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1989، ولا سيما في مادتها 38، فإنها تحظر إشراك الأطفال في النزاعات أو إستغلالهم في سياقات التجييش السياسي أو المسلح. كما تؤكد المادة 3 من نفس الإتفاقية على أن ” مصالح الطفل الفضلى يجب أن تكون الإعتبار الأول في جميع الإجراءات التي تتعلق به”، وهو ما تتغافله الجزائر وصنيعتها بوليساريو في مشاريعها التلقينية الدعائية ، إذ لا يراعى في تلك البرامج أي بعد تربوي أو نفسي سليم، بل يدفع بالأطفال نحو تبني مفاهيم الحقد والكراهية تجاه المغرب .

ويرى البروفيسور “آلان بيليه”، أحد أبرز خبراء القانون الدولي، أن “استغلال الأطفال لأغراض سياسية أو عسكرية في أي نزاع، يعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، ويقوض فرص التسوية السلمية ويعيد إنتاج العنف عبر الأجيال”. وهو ما ينطبق تماما على ما تمارسه بوليساريو داخل مخيمات تندوف، حيث تمنح الجامعة الصيفية للشباب طابعا مؤدلجا صارخا، ويقدم فيها المغرب بوصفه قوة إحتلال، وتستعاد فيها أدبيات الحرب والخنادق وكل أساليب التحريض والكراهية التي يرعاها نظام العسكر الجزائري ويتفنن في صناعتها وتلقينها ، بدل ترسيخ ثقافة الحوار والإنفتاح والتعايش.

والملاحظ أنه لازالت بعض تسهم البلديات والجهات الإسبانية تساهم ، عن وعي أو عن جهل، في إحتضان هذه المشاريع، فإنها تُورط نفسها أخلاقيا وقانونيا في دعم مسار لا يخدم قيم السلام، بل يعمق الإنقسام ويمنح شرعية رمزية لكيان وهمي لا يعترف به القانون الدولي. كما أن ربط علاقات التوأمة والتعاون مع مؤسسات محسوبة على جبهة وهمية ، يعد خروجا عن سياسة الحياد التي يجب أن تلتزم بها الجماعات الترابية في الدول الأوروبية، ما لم يصدر عن حكوماتها المركزية أي اعتراف رسمي بالكيان المزعوم ،والحال أن الحكومة الإسبانية سبق وأن عبرت صراحة بإعترافها بسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الصحراوية، و بجدية مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد و أوحد للمشكل المفتعل .

في هذا السياق على الدبلوماسية المغربية، وبمختلف تفرعاتها الرسمية والموازية، أن تتحمل مسؤولية مضاعفة جهودها الميدانية في التصدي لهذه الممارسات الناعمة، عبر تكثيف التواصل مع الفاعلين المدنيين والسياسيين في جزر الكناري وغيرها، وفضح الطابع الدعائي لهذه البرامج التي تبنى على حساب الطفولة وحقوقها الأساسية. كما يجب تفعيل آليات الرصد والتوثيق، والعمل على فضح ما تمارسه داخل المخيمات من تأطير إيديولوجي وعسكري للأطفال في بيئة مغلقة، تعاني من تعتيم إعلامي و غياب كلي للمراقبة الدولية.

إن القانون الدولي الإنساني، كما ورد في إتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها الإضافية، والذي يمنع كل مساس بحقوق الأطفال في أزمنة النزاعات، ويدعو إلى حمايتهم من كل أشكال الدعاية والتحريض. وهذا ما لا تلتزم به عصابة بوليساريو التي جعلت من معاناة الطفل الصحراوي أداة للاستثمار السياسي، في محاولة لاستدرار تعاطف الخارج واستدامة حالة الجمود السياسي.

ختاما، إن استمرار السكوت الدولي عن مثل هذه الممارسات، يشكل ثغرة أخلاقية وقانونية في بنية النظام الحقوقي العالمي، ويعزز من ثقافة الإفلات من المحاسبة والعقاب . كما أن رهان البوليساريو على تربية أجيال جديدة على العداء للمغرب، لا يخدم في النهاية إلا مصلحة الجزائر التي تستثمر في الفوضى والنزاع ، نظام عسكري، يدير المخيمات بعقلية أمنية خالصة، ويمنع أي مسار حقيقي للتسوية والحل النهائي .

فالعالم لن يقبل أبدا أن يكون طفل تندوف وقودا لنزاع مفتعل ولأساطير وهمية لا زالت تعشعش في عقول حكام قصر المرادية رغم سقوط جدار برلين .

ذ/الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى