أخبار الدارسلايدر

بين طهران وتل أبيب.. الموقف العقلاني للمغرب في زمن الاستقطاب

بقلم: ياسين المصلوحي

في خارطة الصراعات العسكرية والسياسية، خصوصًا في ظل المواجهة العسكرية بين طهران وتل أبيب، فأن تكون ضد إيران، هذا لا يعني بالضرورة، وكنتيجة حتمية، أنك في صف إسرائيل. فمن الناحية الدبلوماسية الرسمية، يُعتبر صمت المغرب وعدم اصطفافه لأي جانب موقفًا حكيمًا رزينًا، يعكس النبض الحقيقي للشعب، الذي يدرك جذور علاقة المغرب بطرفي الصراع، بعيدًا عن التحليل السطحي النمطي الذي يوجب دعم كل من يواجه دول الاحتلال، بغض النظر عن الطرف الآخر.

خرجت بعض الأصوات التي تحاول تشكيل معسكرين اثنين لا ثالث لهما: يتجلى الأول في معسكر مناصر للحرية والقومية، ومتصدّر لفيلق الإسلام، وهو الذي يدعم إيران في حربها حسب تصنيفهم، ومعسكر آخر “متصهين”، محب للاستعمار، ومغتصب لحقوق الشعوب، وهو الذي يعادي إيران. بل إن حتى الذين يلزمون الحياد، ولا يناصرون لا إيران ولا إسرائيل، لم يسلموا من صكوك الاتهامات، كونهم – حسب نفس التعبير – يساوون بين الضحية والجلاد.

والحال أن المجتمع المغربي، بصفة عامة، يقف على نفس المسافة من الطرفين، دون مناصرة ولا تشفٍّ، لعدة أسباب. أولها أن من يعتبر عدم دعم إيران بمثابة مناصرة لإسرائيل، وتصهين وخيانة للعروبة والإسلام، كون هذه الدولة قوة استعمارية محتلة لدولة أخرى، فهذا معطى صحيح. لكن، بنفس المنطق والمقياس، يمكن اعتبار إيران دولة محتلة ومستعمرة؛ فإن لم يكن بالسلاح، فبالعقيدة والأيديولوجية ونظام ولاية الفقيه، وخير مثال هو التغلغل في العراق، وجنوب لبنان، والنظام السوري السابق، واليمن، ومحاولة اختراق مجموعة من الدول الأخرى.

كما أن في حالة المغرب، بالخصوص، الذي يقطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران، يصعب استخلاص موقف رسمي أو شعبي داعم لإيران، بسبب العلاقات المتوترة منذ سقوط الشاه واعتلاء الخميني هرم السلطة في البلاد، وما تلاه من تشنجات دبلوماسية، بدءًا بفتوى تكفير الخميني من طرف المجلس العلمي في عهد المغفور له الملك الحسن الثاني، رحمه الله، ثم معاداتهم للأنظمة الملكية بصفة عامة، والاختلاف العقائدي، وخطر التشيّع الذي كانوا يحاولون تصديره للمغرب الأقصى، دون نسيان المواقف السياسية المعادية للوحدة الترابية المغربية، ودعمهم المطلق لمرتزقة البوليساريو عسكريًا وماديًا.

وحتى من يربطون إيران بمحور الدفاع عن القضية الفلسطينية، وأنها تناصر الفلسطينيين، فهذا الرأي ليس صحيحًا. والدليل هو أن إيران لم تُحرّك أدواتها العسكرية إلا عندما تمّت مهاجمتها مباشرة، ولم تُطلق ولو رصاصة واحدة على مدار أشهر طويلة من الإبادة التي تتعرض لها غزة، كما أنه لم يُسجَّل إرسال أية مساعدات إنسانية. وبالتالي، فإن الدعم المزعوم للقضية الفلسطينية ليس إلا شعارات وكلمات رنّانة لدغدغة الرأي العام.

أخذ موقف من إيران، وعدم دعمها، لا يعني مصادرة حقها في الدفاع عن نفسها وحماية سيادتها مثل باقي الدول، كما أنه لا يعني دعم الطرف الآخر في الصراع. لكن يبرز موقف الحياد الإيجابي، الذي يستحضر المصلحة العليا للمغرب، وواقع الحال يقول إن المغرب لا مصلحة له لا في هذا الصراع، ولا في دعم أحد طرفيه.

في منطق العلاقات الدولية، لا يمكن إعطاء أي موقف رسمي إلا بحساب المكاسب والخسائر، وقوة العلاقات الدبلوماسية مع الأطراف الأخرى. وفي حالة المواجهة العسكرية الحالية في الشرق الأوسط، يتناسب الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي، الذي يفهم جيدًا طبيعة العلاقات، ويعلم أن إسرائيل دولة احتلال وتعتدي إنسانيًا على الشعب الفلسطيني، وأن إيران تلبس قناع المقاومة دون دور فعلي، وأنها تعادي النظام المغربي وثوابته. كما أنه ليس هناك أي قانون أو منطق أو قاعدة تفرض على الدول والشعوب أن تكون داعمة، بالإكراه، لأحد طرفي الصراع. في إطار حرية الاختيار، يمكن للفرد ألا يدعم لا إيران ولا إسرائيل، ويقف موقف الحياد الإيجابي.

زر الذهاب إلى الأعلى