تصريحات بنكيران… لماذا يدافع بشكل مستميت عن إيران؟

بقلم: ياسين المصلوحي
لم يخرج بنكيران عن عاداته في التصريحات المثيرة كلما سمحت له الفرصة بذلك، وقد كانت آخرها كلمته بمناسبة المؤتمر الجهوي السابع لجهة الدار البيضاء–سطات في 29 يونيو، حيث لا تكاد تخلو تصريحاته من الإثارة وشدّ الانتباه مهما كان الثمن.
فبعد استعماله لمصطلحات “الميكروبات” و”الحمير” في كلمته بمناسبة فاتح ماي، عاد في المؤتمر الجهوي المذكور ليستعمل معجماً في نفس السياق، غذّاه بكلمات أكثر حدّة وأكثر خدشاً، في تجاوز لضوابط اللباقة وحسن الخطاب، من قبيل: “الكلاب”، و”الحشرات”، و”عملاء إسرائيل”، ضارباً عرض الحائط الحدود الأخلاقية والقانونية للتصريحات، دون مراعاة لا لسنه الكبير، ولا لمسؤولياته الأخلاقية باعتباره رئيس حكومة سابقاً، وأميناً عاماً لحزب كبير له تاريخه ورجالاته. ما يعيد طرح السؤال عن حدود حرية التعبير لرجل السياسة في تماسّها مع القانون: فهل يمكن لرجل السياسة أن يقول ما يحلو له دون اعتبار للقانون؟
لكن أكثر ما أثار الجدل في مداخلة بنكيران، هو دفاعه المستميت عن إيران، حينما أعلن عن تبنيه لتسمية “بن إيران”، وهو المصطلح الذي تداوله مجموعة من الإعلاميين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي عقب دعمه، ودعم حزبه لإيران في صراعها مع إسرائيل، في بيان رسمي صدر بسرعة، على عكس بيان التنديد المتأخر وغير الواضح عقب الهجوم الجبان الذي تعرضت له مدينة السمارة المغربية من طرف مرتزقة البوليساريو باستعمال أسلحة إيرانية.
السرعة في تفاعل بنكيران، ومن خلاله حزب المصباح، مع القضايا الوطنية، تطرح تساؤلات حول أولوياته. كما أن التناقض في موقف بنكيران، المعبّر عنه في نفس الخرجة، عندما قال إنه ضد إيران في مواقفها مع المغرب، لكنه معها في حربها ضد إسرائيل ودعمها لفلسطين – “مع التحفظ على دعم إيران لفلسطين لأن غزة تُباد منذ أكتوبر 2023، وإيران لم تُطلق رصاصة واحدة في اتجاه تل أبيب حتى تم قصفها، وبالتالي فالحرب الأخيرة كانت دفاعاً عن نفسها وليس عن غزة” – هذا من جهة.
أما من جهة أخرى، فهنا يُطرح تساؤل مشروع حول معايير دعم بنكيران للأطراف الدولية: هل هو مرتبط بالقضايا السيادية المغربية؟ أم بالقواسم الأيديولوجية والعقائدية؟ حيث طرح مجموعة من المهتمين سؤالاً حول إمكانية دعم بنكيران لجبهة البوليساريو أو الجزائر، في حال هجومها على إسرائيل مثلاً، طالما أنه دعم إيران رغم قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية معها، لمجرد أنها واجهت إسرائيل. فهل سيكون له نفس الموقف مع البوليساريو والجزائر؟
بغض النظر عن المواقف من القضايا الخارجية، فإن ما يثير المخاوف هو استباحة استعمال أي خطاب وأي معجم خدمةً للأجندة الانتخابية، وغاية الرجوع لكرسي الحكومة تبرّر كل الوسائل المستعملة، سواء الخطاب الديني، الذي ليس حكراً على أحد، أو المؤسسة الملكية التي هي محل إجماع ولا خلاف حولها. إلا أنه حاول خلال هذا المؤتمر أن يصوّر نفسه، هو فقط، تلك البطانة الصالحة، الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر.
إن لهذا النوع من الخطابات، فائقة الشعبوية والمتمادِية في تعابيرها ومهاجمة خصومها – حيث وصف حميد شباط، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، بـ”حماقة” – وهو تصرف بعيد كل البعد عن الأدبيات السياسية المغربية، نتائج عكسية. فعوض أن تشجع المواطنين على الانخراط في الحياة السياسية والإقبال على العمل السياسي والحزبي، فإنها تُفقد المشهد السياسي مصداقيته وقيمته، وتُفرغه من محتواه، الذي يُفترض أن يهتم بتسيير الشأن العام والعمل على تحقيق التنمية، لينتقل إلى إنتاج نخب سياسية بمعجم مصطلحات سوقية، همّها الوحيد خلق “البوز” واعتلاء “الترند” السياسي، مهما كلف ذلك من ثمن.