المغرب يعزز استقلاله الدفاعي: قانون المالية 2026 يرفع ميزانية القوات المسلحة نحو صناعة عسكرية وطنية متطورة
المغرب يعزز استقلاله الدفاعي: قانون المالية 2026 يرفع ميزانية القوات المسلحة نحو صناعة عسكرية وطنية متطورة

الدار/ سارة الوكيلي
خصص مشروع قانون المالية لسنة 2026 غلافاً مالياً قياسياً يناهز 15.7 مليار دولار لإدارة الدفاع الوطني، على أن يرتفع هذا المبلغ إلى 17.1 مليار دولار سنة 2027، أي بزيادة تُقدَّر بنحو 17 في المئة مقارنة بالسنوات السابقة.
هذا التطور اللافت في الميزانية العسكرية لا يقتصر على تحديث العتاد والمعدات، بل يُجسّد رؤية ملكية بعيدة المدى تهدف إلى تحقيق سيادة صناعية دفاعية مغربية، قادرة على إنتاج وصيانة التجهيزات العسكرية محلياً، وتقليل الاعتماد على الخارج في مجال استراتيجي وحساس.
وتشير المعطيات إلى أن هذه الاعتمادات تُخصص للحساب الخاص المعنون بـ “اقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية ودعم تطوير الصناعة الدفاعية”، وهو حساب متعدد السنوات يُتيح للحكومة إعادة توجيه الفوائض غير المصروفة من سنة مالية إلى أخرى، لضمان استمرارية المشاريع الكبرى التي تتطلب تمويلاً طويل الأمد.
ويأتي هذا التوجه في سياق توجيهات جلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، الذي دعا منذ سنوات إلى تطوير صناعة عسكرية وطنية بشراكة مع الفاعلين الخواص، المحليين والدوليين، بما يضمن للمغرب اكتساب استقلالية تكنولوجية وصناعية في المجال الدفاعي، وتكوين جيل جديد من الكفاءات الوطنية في الصناعات الحساسة.
ويُذكر أن المملكة اتخذت بالفعل خطوات عملية في هذا الاتجاه، من خلال توقيع اتفاقيات تعاون مع شركات أمريكية وإسرائيلية وإسبانية وفرنسية لتصنيع وصيانة الطائرات المسيرة، والمركبات العسكرية، وأنظمة المراقبة والرصد. كما تم إحداث منظومة قانونية جديدة تنظم الاستثمار في الصناعة الدفاعية، وتسمح بإنشاء شركات مغربية أو مشتركة متخصصة في إنتاج وتطوير العتاد العسكري والأمني.
ارتفاع الميزانية الدفاعية ليس موجهاً نحو سباق تسلح إقليمي، بل يأتي في إطار استراتيجية دفاعية شاملة تهدف إلى تعزيز قدرات الردع، وحماية وحدة التراب الوطني، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة وتنامي التحديات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء.
ويُتوقع أن ينعكس هذا الاستثمار الضخم إيجاباً على الاقتصاد الوطني عبر خلق فرص شغل جديدة، وتنمية منظومة بحث علمي وتقني مرتبطة بالصناعات العسكرية، مما يُحوّل الدفاع من قطاع إنفاق إلى قطاع إنتاج واستثمار يدعم التنمية المستدامة ويعزز موقع المغرب كقوة إقليمية صاعدة.
بهذا المسار الطموح، يواصل المغرب ترجمة رؤيته الإستراتيجية القائمة على الأمن الذاتي، والسيادة الصناعية، والابتكار الدفاعي، مؤكداً مرة أخرى أن القوة الوطنية لا تُقاس فقط بالأسلحة، بل بالقدرة على صنعها وتطويرها داخل الوطن.