سلايدرمغرب

حتى لا يتحول خزان ماء إلى خزان غضب

ما وقع بمدينة بني ملال لا يمكن إعتباره حادثا عرضيا يطوى في زوايا النسيان، أو أن يتم تبريره بإنفعال لحظة غضب وسخط ، بل واقع لا يجب السكوت عنه ، واقع عرى إختلالات بنيوية عميقة تضرب صلب العلاقة بين المواطن والمؤسسات ، وعرى وللأسف هشاشة الوعي المجتمعي بالحق والواجب وبالقيم الناظمة للعيش المشترك .

فحين يلجأ مواطن إلى إعتلاء خزان ماء لأسابيع، وأن يضرب عن الطعام، لا لشيئ إلا للمطالبة بالإنصاف وفتح تحقيق جدي في قضية وفاة والده ، طلب تساءل فيه اليوم الجهات المختصة عن مصيره وما إذا بادرت فعلا إلى فتح بحت جدي بخصوص مضامينةو تفاعلت معه بمنطق مهني جدي يعكس روح المسؤولية، فالتحقيق وحده الذي ستباشره الجهات المسؤولة بعد هذه الواقعة ، هو الكفيل بكشف الغشاوة والإجابة عن كل سؤال .
واقعة إعتلاء خزان الماء ، لا تعتبر تصرفا فرديا فقط ، بل علامة دامغة على إنسداد قنوات الوساطة وغياب فعالية المؤسسات التي عليها أن تنصت جيدا لنبض الشارع وهموم المواطنين . فالاحتجاج الصامت من أعلى خزان لا ينفصل عن صرخة أعمق في قاع المجتمع، صرخة ضد التجاهل واللامبالاة، ضد التهميش المزمن، وضد مواطنة تزداد فراغا كلما سدت الأبواب الرسمية.
إن إستعمال “الجسد”كوسيلة ضغط لا يولد في فراغ، بل ينشأ حين تفقد الكلمة معناها، وحين يصبح الألم لغة أخيرة. لكن هذا اليأس، مهما بلغ من القسوة، لا يبرر الإعتداء على رجل من رجال الوقاية المدنية ورجال القوة العمومية ، الذين لم يكن دورهم سوى إنقاذ وتدخل في لحظة خطر. فالاعتداء عليهم، وهم يؤدون واجبهم المهني، لا يعبر فقط عن سلوك منحرف، بل ينم عن خلل في منظومة القيم، وعن ضرب لمكانة المؤسسات التي ينبغي أن تحظى بثقة المواطن في أوقات الأزمات.

نعم نحن إزاء خلل مزدوج، في إنخفاض منسوب الثقة في المؤسسات التي على المشرفين عليها أن يقفوا لحظة تأمل عميقة لرصد مواطن الخلل في تواصلهم مع المواطنين وتفاعلهم مع مطالبهم ، إنه إهتزاز في الوعي الجمعي بماهية السلطة وادوارها الحقيقية السامية، وفي من أسندت له آمانة تجسيدها ، وبين من يجب أن يحمى لا أن يهاجم ممن يقومون بنفاذ القانون والتدخل لدرئ كل خطر يهدد المواطن نفسه او غيره من المواطنين وحتى الممتلكات الخاصة والعامة، و بين من يحتج طلبا للإنصات والإنصاف، ومن يعتدي باسم الغضب والقهر والحكرة ، فقد تتلاشى الحدود بين وبين ما سطر كمواقع خلل ،وقد يضيع التمييز بين الحق المشروع والفعل المرفوض ، ولا يجب أن نكتفي بلغة الإدانة أو الإنفعال، فالواجب لا يتوقف عند تشخيص الواقعة، بل يستلزم مساءلة الأسباب التي تراكم مشاعر التهميش وتنزع من الفرد إيمانه بجدوى الإنتماء.
إننا اليوم وقبل الغد ، نحتاج إلى إصلاح عميق يعيد الاعتبار للمؤسسات ويقوي جسور الثقة، ويمنح المواطن صوتا وكرامة، بدل دفعه إلى الحافة ليتحول إلى رمز مأساوي يتسسبب في عطب اجتماعي .
“بوعبيد” الذي صمد فوق الخزان، وسقط منه وهو يلف حبلا حول عنقه، لم يكن يبحث عن ضوء إعلامي عابر، بل عن إجابة على ألم لم يجد له صدى في آذان من أسندت لهم مواكبة شكايات المواطنين والتفاعل الجدي معها ومعالجتها بالحكمة والتبصر عبر الحوار والإقناع .نعم نجا بوعبيد من موت محقق ونجا رجل الوقاية المدنية ونجا الدركي ،نعم نجاة كانت أشبه بمعجزة من واقعة لا نريد أن تتكرر أبدا . نجا الجميع لكنهم تركوا خلفهم سؤالا مهما ، كم من مواطن يصارع بصمت في الزوايا المسدودة؟ كم من صوت يختنق في الظل دون أن يجد يدا تنصت قبل أن تنقذ أو تتدخل لنفاذ القانون ؟

ختاما ، الإنقاذ لا يكون فقط بتدخل الإسعاف ، ورجل القوة العمومية لا يتدخل فقط لإحترام نفاد القانون بل على واضعه التمعن بمذى فعاليته في حماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات ، فالإنقاذ الحقيقي يكون بالإصغاء الجاد والمسؤول و بالحوار ، وببناء مؤسسات لا تخشى صرخة الألم، بل تصغي لها لتحولها إلى فعل عدالة وإنصاف. فالمجتمعات لا تنهار من ضجيج الإحتجاج، بل من صمم القرار، ومن برود المؤسسات حين تصرخ الضمائر.

ذ/الحسين بكار السباعي

زر الذهاب إلى الأعلى