أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

دبلوماسية المغرب الناعمة تهزّ أركان الجزائر: تحوّل تاريخي في جنوب إفريقيا

دبلوماسية المغرب الناعمة تهزّ أركان الجزائر: تحوّل تاريخي في جنوب إفريقيا

احمد البوحساني

تُشير القراءة المتأنية للتغيير الأخير في موقف جنوب إفريقيا إلى نضوج لافت في الفكر الإفريقي، متجاوزًا بذلك منطق الحرب الباردة، ومدركًا للواقع الجيوستراتيجي الجديد. في ضوء هذا التحول، يبدو أن معسكر الكبرانات قد بدأ فعليًا في التحلل، إن لم يكن التفكك الذي شهدناه منذ فترة طويلة.

تُرسّخ سياسة المملكة المغربية نموذجًا فريدًا من الدبلوماسية الناعمة، بدأت ثماره تتجلى بوضوح مؤخرًا. اليوم، وبعد الموقف الداعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، الذي أعلنه حزب “رمح الأمة” بزعامة جاكوب زوما، يُتوقع أن يُحدث هذا التحول تأثيرًا كبيرًا على الجزائر والنظام الجزائري، وذلك على عدة مستويات.

ضربة رمزية وسياسية للموقف الجزائري :

لطالما راهنت الجزائر على مواقف جنوب إفريقيا المعادية للمغرب داخل الاتحاد الإفريقي والمحافل الدولية. تقليديًا، كانت بريتوريا حليفًا استراتيجيًا للجزائر في دعم جبهة البوليساريو. لذلك، فإن موقف زوما، الذي يتمتع بوزن سياسي وثوري داخل بلاده، يُمثل كسرًا لهذا الاصطفاف التقليدي، ويُرسل إشارات واضحة بأن دعم الانفصال لم يعد إجماعًا في جنوب إفريقيا.

إضعاف الرواية الجزائرية في إفريقيا :

تصبّ تصريحات زوما في صالح المغرب وتدعم مقترحه الواقعي، مما يسحب البساط من تحت الجزائر التي تُحاول تسويق ملف الصحراء كـ”قضية تصفية استعمار”. إن دعم حزب يحمل رمزية ثورية كبيرة في إفريقيا، وتربطه علاقات تاريخية بالنضال التحرري، يُفقد الرواية الجزائرية الكثير من شرعيتها الرمزية والتاريخية.

تشتيت الجبهة الدبلوماسية الداعمة للبوليساريو :

تعتمد الجزائر على شبكة محدودة من الدول لدعم أطروحتها الانفصالية. إن الانقسام داخل جنوب إفريقيا – وخصوصًا من شخصية بحجم زوما – يفتح الباب أمام دول إفريقية أخرى للتعبير عن مواقف أكثر واقعية دون الخوف من الضغط الإقليمي أو الإحراج السياسي.

تأثير داخلي في جنوب إفريقيا :

إذا تمكن حزب زوما من اكتساب شعبية وتأثير أكبر في المشهد السياسي الجنوب إفريقي، فقد يؤدي ذلك إلى تحول تدريجي في السياسة الرسمية للبلاد تجاه قضية الصحراء، أو على الأقل إلى تراجع دعم بريتوريا المطلق للبوليساريو، وهو ما سيُقلق النظام الجزائري كثيرًا.

إحراج دبلوماسي لنظام الكبرانات:

يُراهن النظام الجزائري على احتكار “الشرعية الثورية” والدفاع عن “حق تقرير المصير”. لكن موقف زوما، الذي شارك بنفسه في النضال ضد نظام الفصل العنصري، يُظهر أن الشرعية الثورية لا تعني دعم الانفصال، بل دعم الوحدة والسيادة. هذا الموقف يفضح تناقضات النظام الجزائري بشكل جلي.

تعزيز التوجه الدولي نحو الواقعية:

يأتي موقف حزب زوما ليُعزز التوجه المتنامي للمجتمع الدولي نحو دعم حل سياسي واقعي وعملي لقضية الصحراء، كما تنص عليه قرارات مجلس الأمن الدولي. فبعد أن حظيت مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتراف ودعم دولي متزايد، بما في ذلك قوى عظمى كالولايات المتحدة و فرنسا وإسبانيا، وفتح قنصليات لعدد من الدول في مدينتي العيون والداخلة، فإن هذا التحول في موقف أحد أبرز داعمي جبهة البوليساريو يُضيف وزنًا نوعيًا لهذا التوجه.
و يُرسل هذا التطور رسالة واضحة للأمم المتحدة وبعثتها “المينورسو” بضرورة مواكبة هذه الدينامية الجديدة، والانتقال من مجرد تثبيت الهدنة إلى دفع الأطراف نحو حل سياسي مبني على التوافقات الجارية. كما أنه يُلقي بظلاله على مواقف بعض الدول التي لا تزال تتمسك بالخطوط التقليدية للحرب الباردة، ويُشجعها على إعادة تقييم مصالحها واستراتيجياتها في المنطقة. وبذلك، يُصبح مسار حل النزاع أقرب إلى التوافق الدولي الذي يميل بشكل متزايد نحو الحل المغربي، مما يُعزز من عزلة المواقف المعارضة.

ربما، لا يُغير موقف زوما قواعد اللعبة بشكل مباشر، لكنه يُربك حسابات الجزائر، ويفتح المجال أمام تغيرات تدريجية في المواقف الإفريقية، ويُسهم في عزل النظام الجزائري دبلوماسيًا فيما يخص ملف الصحراء المغربية. كما أنه يُرسّخ سردية المغرب الواقعية ويُضعف الأطروحات الانفصالية التي تراهن عليها الجزائر.

زر الذهاب إلى الأعلى