أخبار الدارالملكسلايدر

ثورة الملك والشعب دروس في الماضي وتحديات الحاضر ورهانات المستقبل

ثورة الملك والشعب دروس في الماضي وتحديات الحاضر ورهانات المستقبل

تحل ذكرى ثورة الملك والشعب كل سنة، لا لتعيد إلينا صورا مجيدة من التاريخ فحسب، بل لتفتح أعيننا على حاضرنا وتحدياته ورهانات مستقبلنا. إنها لحظة تتجدد فيها معاني الوفاء بين العرش والشعب، وتجسد في أبهى صورها وحدة المصير التي صنعت إستقلال الوطن وأرست دعائم دولته الحديثة.

لقد أثبت التاريخ أن المغرب لا يقهر حين تتوحد إرادة الملك والشعب. فحين نفي محمد الخامس طيب الله تراه، حاول الإستعمار أن يقطع شريان السيادة، غير أن الشعب حول الجرح إلى ثورة لتعود الشرعية أقوى، ولتولد الدولة المغربية المستقلة أكثر رسوخا. وها نحن اليوم نستحضر هذه الذكرى، لندرك أن الدروس ما زالت حية تعاش ، وأن وحدة الصف الوطني تظل شرطا أساسيا لعبور التحولات العميقة التي يشهدها عالمنا المضطرب.
إن المغرب مقبل على محطة مفصلية مع إنتخابات 2026، إستحقاقات لن تكون كسابقاتها، بل ستشكل إختبارا حقيقيا لقدرة الأحزاب على تجديد خطابها وتجاوز ثنائية الإستقطاب المصطنع، وبناء تعاقد سياسي يعيد الثقة للمواطن. فالمغاربة الذين برهنوا على وعيهم في محطات مفصلية من تاريخهم المجيد، لن يقبلوا بوعود فضفاضة ولا بسياسات ترقيعية، بل يترقبون بديلا سياسيا مقنعا وفعالا، قادرا على ترجمة روح الدستور إلى مؤسسات فاعلة ومحاسبة حقيقية.
وفي الأفق غير البعيد، يلوح تحد آخر بالغ الأهمية يتمثل في حكومة ما بعد مونديال 2030. فالمغرب الذي كسب شرف التنظيم المشترك لكأس العالم، مطالب منذ الآن بإعداد سياسات متكاملة تجعل من هذا الحدث الرياضي العالمي قاطرة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. وأن المونديال ليس فقط مجرد تظاهرة رياضية، بل فرصة تاريخية لتعزيز صورة المغرب كقوة صاعدة، لإستقطاب الإستثمارات الكبرى ، وتطوير البنيات التحتية، وإبراز التعددية الثقافية للمملكة في أبهى صورها وتحد المعضلة الإجتماعية بما يضمن كرامة جميع المغاربة.

فالتنمية التي يتطلع إليها المغاربة لا يمكن أن تختزل في مشاريع ظرفية أو مجرد إستثمارات كبرى، بل تحتاج إلى رؤية متجددة قوامها جيل جديد من التنمية المجالية. هذا الجيل الذي يجب أن يستمد شرعيته من التوجيهات الملكية السامية، التي أكدت أن التنمية الحقيقية لا تقاس فقط بنسب النمو، بل بقدرتها على تقليص الفوارق الإجتماعية والمجالية، وضمان العدالة في توزيع الثروة، وجعل المواطن في صميم السياسات العمومية. إنها ثورة هادئة تتطلب تعبئة شاملة، وتحديثا لآليات التخطيط الترابي، وربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير الشأن المحلي.
وبالموازاة مع كل ذلك، يواجه المغرب تحديات أمنية غير تقليدية، أبرزها الهجومات السيبرانية التي تستهدف رموز الوطن ومؤسساته. هذه الاعتداءات الرقمية، التي تقف وراءها أطراف معادية، ليست سوى امتداد لحروب جديدة تخاض في الفضاء الإفتراضي بدل الميدان الواقعي. غير أن ما يميز المغرب هو يقظة أجهزته الأمنية، وكفاءتها في التصدي لمثل هذه التهديدات، مما يجعل الثقة الشعبية في المؤسسات الوطنية صمام أمان ضد كل محاولات التشويش.
إن إستحضار ثورة الملك والشعب في هذا السياق يكتسي دلالة عميقة ، فكما قاوم الأجداد والآباء بالأمس الإستعمارين الفرنسي والإسباني ، فإنهم اليوم مطالبون بمقاومة كل أشكال الإستعمار الجديد، المتجسد في التبعية الإقتصادية،و في محاولات إختراق السيادة الرقمية،و في إستهداف وحدتنا الترابية.

ختاما، إن الإحتفال بهذه الذكرى ليس مجرد وفاء للماضي، بل هو إستدعاء لروح المقاومة والاجتهاد بأمانة لبناء المستقبل. فالمغرب الذي صنع معجزة الإستقلال، قادر اليوم على صنع معجزة التنمية والديمقراطية،بإرادةملكه الحكيم المستشرف للمستقبل و إرادة شعب وفي لا يقبل الإنكسار.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى