أخبار الدارحوادثسلايدر

السلامة الطرقية بين إرتفاع الحوادث ونزيف الأرواح ورهانات الإصلاح القانوني والتنظيمي

السلامة الطرقية بين إرتفاع الحوادث ونزيف الأرواح ورهانات الإصلاح القانوني والتنظيمي

أضحى الوضع الحالي لحوادث السير في المغرب مثيرا للقلق، بعد أن أبانت الإحصائيات الأخيرة لسنة 2025 عن مسار تصاعدي لعدد الضحايا، بارتفاع بنسبة 23.8% مقارنة بالسنوات السابقة، وتزايد مقلق داخل المجال الحضري، خصوصا في صفوف مستعملي الدراجات النارية. هذا الواقع يعكس فشلا بنيويا في الاستجابة المركبة لمخاطر الطرق، إذ يتجسد الخلل في ضعف السياسات التنظيمية لاستيراد أنواع المركبات، خاصة الدراجات النارية، ومدى مطابقتها لمعايير السلامة الطرقية، وفي قصور البنية التحتية الحضرية، إلى جانب هشاشة برامج التوعية وضعف التكوين للسائقين وغياب الوعي الطرقي لدى غالبية الراجلين، فضلا عن تراخ في التطبيق الصارم لمقتضيات القانون. وإذا كان موسم الصيف والعطلات البينية يزيد من إحتمالات وقوع الحوادث، فإن الإستمرار في المنحى التصاعدي لنسبة الحوادث يكشف عن أزمة منهجية تتطلب إصلاحات متكاملة لا تقتصر على إجراء واحد، بل تقوم على مقاربة شمولية تجمع بين دقة التشريع وصرامة إنفاذه، وسياسة استيراد صارمة خاصة بالنسبة للدراجات النارية بما فيها الثلاثية العجلات، والعمل على معالجة أعطاب البنية التحتية الطرقية.

ومن الناحية القانونية، يتحمل السائقون مسؤولية أساسية في تقليص الحوادث، إذ يوجب القانون رقم 52/05 المعتبر بمثابة مدونة السير بالمغرب، إحترام السرعة المقررة، والالتزام بإشارات المرور، والتوفر على الوثائق القانونية، ومراعاة الأسبقية وممرات الراجلين، واستعمال معدات السلامة، مع الحفاظ على المركبة في حالة صالحة للسير وعدم إدخال تعديلات تقنية غير مصرح بها. غير أن جزءا كبيرا من الحوادث يبقى مرتبطا بالسلوك البشري، مثل التهور والسرعة المفرطة وعدم ارتداء الخوذة. لذلك يقتضي الأمر الجمع بين التكوين الإلزامي المحكم والحملات التوعوية المستمرة، إضافة إلى رقابة مرورية ذكية تركز على السلوكيات أكثر مما تركز على المركبات، بما يسمح بترسيخ ثقافة قانونية وسلوكية قادرة على الحد من النزيف المروري.
إن إنفاذ القانون ضرورة لا غنى عنها، لكنه وحده غير كاف ما لم يواكبه وعي جماعي مؤسس على برامج تحسيسية وتربوية تبدأ من المدارس ومؤسسات تكوين السائقين، وتستثمر المنصات الرقمية بمضامين تراعي الخصوصيات الثقافية واللغوية لكل منطقة. فضلا على التوعية المستهدفة لراكبي الدراجات النارية بضرورة إستعمال الخوذة وإحترام السرعة القانونية وعدم إحداث أي تعديل بمحركاتها، ولمستوردي المركبات بوجوب مطابقة المواصفات مع معايير السلامة الطرقية الوطنية، مع إعتماد برامج إعادة تأهيل للمخالفين، كل ءلك يمكن أن يشكل رافعة لفعالية القاعدة القانون.

غير أن العقوبات الواردة في مدونة السير، و رغم أهميتها فإنها تظل جزءا من منظومة أشمل. فثمة حاجة إلى التمييز بين المخالفات التي تستوجب الصرامة كالسرعة المفرطة والقيادة في حالة سكر والسياقة البهلوانية، وبين مخالفات أخرى تستدعي إعادة النظر في طبيعة العقوبة حتى لا تثقل كاهل الفئات الهشة أو تؤدي إلى نتائج غير منسجمة مع الواقع. ولهذا فإن إدراج بدائل عقابية من قبيل الدورات التدريبية الإلزامية، ونظام سحب النقاط، يمكن أن يكون أكثر نجاعة من الاكتفاء بالغرامات المالية.
ومن حيث الإجراءات المستقبلية، فإن تعزيز السلامة الطرقية يقتضي تدابير عاجلة وأخرى بعيدة المدى. فعلى المستوى الآني، ينبغي تفعيل آليات مراقبة صارمة عند نقط العبور الجمركي للتأكد من مطابقة الدراجات المستوردة لمعايير السلامة، وتشديد الرقابة على عمليات التسجيل والترقيم وربطها بالمعايير التقنية، إلى جانب إعتماد رخصة متدرجة للدراجات النارية، وتصنيفها حسب السعة والمحرك، مع تدريب إلزامي للانتقال بين الفئات. أما على المستوى البنيوي، فيتطلب الأمر مراجعة مدونة السير لتوضيح المسؤوليات وتوسيع نطاق البدائل التأهيلية، واعتماد نظام نقاط محفز على الإمتثال، مع دعم قدرات السلطات بالوسائل التقنية الحديثة مثل الكاميرات الذكية وقواعد بيانات مركزية لحوادث السير. ويظل الهدف الأسمى هو بلورة استراتيجية وطنية في أفق سنوات 2026/2030 لتقليص الوفيات جراء حوادثالسير، تقوم على البنية التحتية والتعليم والتشريع، وتعبئة الموارد عبر تحفيز إستيراد المركبات الآمنة وفرض ضرائب على غير المطابقة، مع إشراك المجتمع المدني والمهنيين في المراقبة والتقييم.

ختاما، إن ما نواجهه اليوم ليس مجرد ارتفاع في عدد ضحايا حوادث السير، بل أزمة حقيقية ذات أبعاد قانونية وفنية وتنظيمية وسياسية جمركية، تتطلب إصلاحا متكاملا يتجاوز المعالجة الظرفية إلى تأسيس رؤية إستراتيجية تعيد للسلامة الطرقية مكانتها بإعتبارها حقا أساسيا من حقوق المواطن وأولوية من أولويات الدولة.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى