جيل Z بين ثقافة الإحتجاج ورهانات الإنتقال الديمقراطي في المغرب
جيل Z بين ثقافة الإحتجاج ورهانات الإنتقال الديمقراطي في المغرب

إن إقدام السلطات المغربية على الإفراج عن موقوفي ما أصبح يعرف بـ”جيل Z”، عقب الوقفات الاحتجاجية التي نظمت مساء السبت 27 شتنبر 2025 للمطالبة بتحسين أوضاع الصحة والتعليم، يشكل لحظة سياسية بليغة تتجاوز حدود الحدث الظرفي لتكشف عن دينامية جيلية آخذة في التشكل داخل المجتمع المغربي. فقرار الإفراج، الذي استقبل بإرتياح في الأوساط الحقوقية والشبابية، لا يقرأ فقط بإعتباره إستجابة لإعتبارات حقوقية مرتبطة بالحق في التظاهر السلمي المكفول دستوريا ووفق المواثيق الدولية، بل يفهم أيضا كإشارة سياسية تنم عن وعي الدولة بضرورة مواكبة تحولات الأجيال الجديدة بدل مواجهتها، وإدراك أن الجيل الجديد أضحى طرفا لا يمكن إقصاؤه من معادلة بناء المستقبل.
إن مشاركة جيل Z في هذه الوقفات تعكس انتقالا نوعيا في أشكال التعبير السياسي والاجتماعي، إذ لم يعد هذا الجيل مكتفيا بإستهلاك الخطاب، بل أضحى فاعلا في إنتاجه عبر وسائط رقمية وأشكال إحتجاجية حضرية منظمة، تضع في صلب أولوياتها قضايا الصحة والتعليم، بما هي قضايا سيادية ومجتمعية عابرة للتجاذبات الحزبية. غير أن هذا الجيل، الذي ولد ونشأ في كنف التكنولوجيا الرقمية، يتعامل مع العالم بمنطق السرعة والإستهلاك اللحظي للمعلومة، وهو ما يمنحه حيوية في التعبئة والاحتجاج، لكنه في الوقت نفسه قد يجعله عرضة للإنجراف وراء موجات جماهيرية لا تخضع لمنطق التحليل العميق أو الرؤية البعيدة المدى. وهنا تستدعي سوسيولوجيا الجماهير كما صاغها غوستاف لوبون مفهوم “الإنصهار في الكتلة”، حيث يفقد الفرد في لحظة الإنجراف الجماعي وعيه الفردي لصالح شعور جمعي يوجهه نحو الفعل، لتتحول المشاركة ذاتها إلى رمز للإنتماء أكثر منها تعبيرا عن قناعة فكرية راسخة.
لكن، إذا كان لوبون قد نظر إلى الجماهير باعتبارها قوة إنفعالية قد تقود إلى اللاعقلانية، فإن مقاربة يورغن هابرماس تمنح زاوية أخرى أكثر تفاؤلا، إذ يرى أن الفعل الإحتجاجي يمكن أن يشكل إمتداد لـ “الفضاء العمومي”، حيث يتداول الأفراد قضاياهم ويترافعون حولها بحثا عن الإعتراف. غير أن الإشكال مع جيل Z يكمن في هشاشة الفضاء الإفتراضي، فالجدل الرقمي سريع الزوال، يخضع لسطوة الخوارزميات و”ثقافة التريند”، مما يفرغ الفعل العمومي من فاعليته.
ومع ذلك، فإن هذا الجيل يظل حساسا تجاه قيم الحرية والعدالة والكرامة، وهو ما يجعل حضوره في الفضاء العمومي دليلا على تنامي وعي جماعي يرفض الهامشية والإقصاء. لكن غياب الأحزاب والنقابات عن لعب دور التأطير ألقى بهذا الجيل في فضاء رقمي هش، تتحكم فيه ثقافة “التريند” و”الموضة الإحتجاجية”، على حساب الوعي السياسي المؤسس والمستدام. إن التحدي لا يكمن في إنتقاد هذا الجيل أو التشكيك في قدرته على إحداث التغيير، بل في البحث عن صيغ لدمج طاقاته في قنوات مؤسساتية ومشاريع مجتمعية قادرة على إستيعاب حيويته وتوجيهها نحو إصلاحات بنيوية. إن الإفراج عن هؤلاء الشباب لا ينبغي أن يفهم كختام لمشهد إحتجاجي عابر، بل كبداية لتعاقد جديد بين الدولة وجيل المستقبل، قوامه الإعتراف بحق التعبير السلمي والإنفتاح على إنتظارات جيل يسعى لأن يكون شريكا حقيقيا في صياغة السياسات العمومية.
ختاما، المغرب يقف اليوم أمام محطة تاريخية لإعادة بناء جسور الثقة مع شبابه، عبر إطلاق إصلاحات هيكلية في القطاعات الإجتماعية التي شكلت محور المطالب، وفي مقدمتها التعليم والصحة، بما يضمن انتقالا سلسا نحو نموذج تنموي أكثر عدلا وإنصافا. فجيل Z بما يملكه من جرأة وإنفتاح وذكاء رقمي، إذا ما أُحسن تأطيره وتوظيف طاقاته، قد يتحول من طاقة إحتجاجية متقطعة إلى قوة تاريخية رافعة لمشروع ديمقراطي وتنموي يرقى إلى طموحات مجتمع يتطلع إلى المستقبل بثبات وثقة.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.