أخبار الدارسلايدر

الملكية ركيزة الإستمرارية ومنارة الإصلاح لمغرب يتجدد بإرادة شبابه.

الملكية ركيزة الإستمرارية ومنارة الإصلاح لمغرب يتجدد بإرادة شبابه.

 

لقد أثبتت المملكة المغربية، عبر تاريخها الممتد في عمق القرون، أنها كيان إستثنائي في قدرته على الصمود والتجدد، وأنها كلما واجهت محنة وجودية أو تهديدا مصيريا، إلا وبعث الله لها من رجالاتها من يصنعون المجد ويقودونها إلى بر الأمان.
ويكفي أن نستحضر ملحمة وادي المخازن سنة 1578، حين تحولت أرض المغرب إلى مسرح لفصل حاسم في مواجهة القوى الاستعمارية الأوروبية، فكان نصر أحمد المنصور الذهبي إيذانا بميلاد مغرب قوي، مغرب أعلن للعالم آنذاك أن هذه الأمة ليست رقعة سهلة المنال في موازين القوى، بل كيان يمتلك إرادة الحياة والإنبعاث وسط كل العواصف.

درس معركة وادي المخازن لا يستعاد اليوم من باب التمجيد العاطفي، بل بإعتباره دليل على إستمرارية نهج مغربي راسخ وقوي، قوامه وحدة الدولة والمجتمع، وتكامل القيادة والشعب في لحظات التحول الكبرى. فقد أبانت المملكة في مختلف المنعطفات، أن قوتها تكمن في مؤسستها الملكة وفي وعيها الجماعي بضرورة التماسك الوطني. ومن هذا المنطلق جاء دستور 2011 ليشكل محطة مفصلية في هذا المسار، إذ وسع قاعدة المشاركة السياسية، وأكد على إشراك الشباب في تدبير الشأن العام، من خلال المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، الذي لو فعل، لتحول إلى منصة تفاعلية تتيح للأجيال الصاعدة فضاءا للإبداع والحوار والمبادرة.

وفي صميم هذا الامتداد التاريخي، تتجلى مؤسسة ولاية العهد باعتبارها رمزا لتلاحم الماضي بالمستقبل، وتجسيدا لروح الإستمرارية داخل النسق المغربي. فالحضور اللافت لصاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن في مختلف المحافل الوطنية والدولية ليس مجرد أداء بروتوكولي، بل هو رسالة عميقة تعبر عن رؤية ملكية بعيدة المدى، أساسها إعداد الخلف وفق مبادئ المسؤولية والإنفتاح. إنها مدرسة مغربية متفردة ترى في ولاية العهد ليس فقط امتدادا للعرش، بل ورشة تربوية وسياسية لتأهيل الجيل الجديد على قيم القيادة والحكمة وخدمة الوطن.
ولقد جسد الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله تراه هذا النموذج حين كان وليا للعهد، مشاركا في صياغة خطاب الإستقلال ومؤسسا لركائز الدولة الحديثة. واليوم، يسير الأمير مولاي الحسن على ذات النهج، مستلهما تجربة جده، مقتديا بوالده محمدالسادس نصره الله وأيده، ليؤكد أن الملكية المغربية ليست سلطة جامدة بل مشروع حضاري متجدد، يربط رمزية الحكم بواقع المجتمع وتحولاته، ويجعل من الشباب محورا للتنمية والاستقرار.

إن جيل المستقبل، بجيل Z، لم يعد مجرد إمتداد بيولوجي للأجيال السابقة، بل أصبح قوة إجتماعية واعية تمتلك أدواتها الاتصالية والتنظيمية الخاصة. إنه جيل يعبر عن ذاته بجرأة ومسؤولية، يشارك في النقاش العمومي والإحتجاج السلمي المشروع ، وينخرط في قضايا العدالة والبيئة والتعليم والكرامة، رافضا كل وصاية أيديولوجية أو استغلال سياسي.
لقد أثبت هذا الجيل أن جيل الأسئلة الكبرى والقلق النبيل، الباحث عن معنى الإنتماء في زمن التحولات الرقمية والإقتصادية السريعة.
ورغم أن العديد من القوى السياسية لم تستوعب بعد عمق هذا التحول، وظلت تتعامل مع الشباب كـ“وقود إنتخابي ”، فإن الإحتجاجات السلمية الأخيرة التي شهدتها بعض المدن المغربية أكدت أن جيل Z يطالب بمواطنة فاعلة ومسؤولة، وبسياسات عمومية منصفة تترجم روح دستور 2011 لا شعاراته فقط.
إنه جيل يطالب بالكرامة لا بالفوضى، وبالعدالة الإجتماعية لا بالهدم، ويؤمن أن الإصلاح لا يتحقق إلا في ظل الشرعية الدستورية والاستقرار المؤسساتي.

ختاما، إن المغرب الذي إنتصر في وادي المخازن، ونجح في تجاوز أزمات ما بعد الإستقلال، وواصل الإصلاحات في عهد الملك محمد السادس نصره الله وأيده، مدعو اليوم إلى معركة جديدة من نوع آخر، معركة الوعي والتمكين. معركة كسب الثقة في الشباب، وبإطلاق العنان لطاقاته الإبداعية، وبالقطع مع كل مايعيق التداول الديمقراطي. فكما بعث المغرب قويا شامخا في معركة وادي المخازن، و ثورة الملك والشعب، هاهو اليوم يبعث طاقته الحية من رحم شبابه، ليبقى وطنا منتصرا بالوعي، متجددا بالإصلاح، وفيا لروحه العريقة التي لا تعرف الهزيمة والخنوع.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى