أخبار دوليةسلايدر

محكمة العدل الدولية أمام اختبار الضمير العالمي: هل يتغير مسار العدالة بشأن غزة؟

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

في مشهد يترقبه المجتمع الدولي بعين الأمل والريبة، تصدر محكمة العدل الدولية قرارًا مهمًا بشأن قانونية الحصار المفروض على قطاع غزة، ومشروعية عرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى منطقة تعاني واحدة من أشد الأزمات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.

رغم أن القرار المنتظر يحمل الصفة الاستشارية وغير الملزمة، فإن رمزيته تتجاوز حدود النص القانوني، لتلامس جوهر ما تبقى من ثقة العالم في المؤسسات الدولية، التي كثيرًا ما وُضعت أمام جرائم مروّعة، لكنها أخفقت في ردعها.

ليس من المبالغة القول إن منع إدخال الغذاء والدواء والماء إلى منطقة محاصَرة كغزة، يرقى في القانون الدولي إلى جريمة ضد الإنسانية. فوفقًا لاتفاقيات جنيف، فإن الدول الأطراف مُلزمة بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين في أوقات النزاع. ومع تصاعد الأزمة في القطاع منذ أكتوبر 2023، أصبح الحصار المزدوج – العسكري والإداري – أداة قتل بطيء للسكان، وليس فقط وسيلة ضغط سياسية.

قرارات المحكمة السابقة، وإن لم تكن ذات طبيعة تنفيذية، إلا أنها تضع قواعد أخلاقية وقانونية يصعب تجاهلها. ففي يناير الماضي، دعت المحكمة إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع الإبادة الجماعية، وهو ما فتح الباب لتقييم أوسع لسلوك تل أبيب في غزة من منظور القانون الدولي الإنساني.

الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في مضمون قرار المحكمة، بل في ما بعد القرار. هل سيتم التعاطي معه على أنه مرجعية قانونية ملزمة أخلاقيًا؟ أم سيكون مجرد وثيقة تُضاف إلى أرشيف من القرارات التي تجاهلتها القوى الكبرى متى ما تعارضت مع مصالحها؟

السوابق كثيرة. المحكمة نفسها سبق أن أصدرت في عام 2004 رأيًا استشاريًا بعدم شرعية الجدار الفاصل في الضفة الغربية، لكن شيئًا لم يتغير على الأرض. واليوم، يعاد السيناريو في غزة، حيث يدفع مليونان من البشر ثمن عجز النظام الدولي عن فرض تطبيق القوانين التي صاغها بنفسه.

اللافت في المشهد، هو أن من يقود المعركة القانونية ضد إسرائيل ليست دولة كبرى في مجلس الأمن، بل جنوب أفريقيا، التي استحضرت ذاكرتها التاريخية مع الفصل العنصري لتتقدم بدعوى تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

في موقف يذكّر العالم بأن العدالة لا يجب أن تكون حكرًا على الأقوياء، تصر بريتوريا على أن وقف إطلاق النار – إن حصل – لا يعفي من المساءلة. العدالة ليست حدثًا آنيًا، بل مسارًا ينبغي استكماله حتى بعد انطفاء نيران المدافع.

ربما لن تنجح المحكمة في تغيير موازين القوى، لكن قراراتها تشكل وثيقة تاريخية تدين الاحتلال، وتكشف هشاشة ادعاءاته القانونية والأخلاقية. وهنا يبرز دور المجتمعات المدنية، والناشطين، ووسائل الإعلام الحرة، في تسليط الضوء على مضمون هذه الأحكام، وفضح من يعطل تنفيذها.

ففي النهاية، القانون الدولي ليس مجرد نصوص، بل انعكاس لضمير عالمي لا يجب أن يُختطف باسم السيادة أو المصالح السياسية.

قرار محكمة العدل الدولية قد لا يُغير المعادلة فورًا، لكنه جزء من معركة طويلة تُخاض بالكلمة، والوثيقة، والصوت الشعبي. غزة ليست مجرد جغرافيا محاصَرة، بل اختبار مستمر لصدقية العالم حين يتحدث عن العدالة.

زر الذهاب إلى الأعلى