الملكسلايدر

بعض أسرار خطاب 31 أكتوبر

بقلم: نورالدين زاوش

لا يخفى على أحد أن الدبلوماسية المغربية من أقوى الدبلوماسيات في العالم؛ وذلك راجع أساسا لسببين رئيسيين: عراقتها الطاعنة في أعماق التاريخ من جهة، ومن جهة أخرى، دهاء القائمين عليها وعلى رأسهم المؤسسة الملكية الشريفة، والتي، بتوجيهات سامية منها، تمّ إنشاء، في 26 أبريل 2011م بالرباط، الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية والشؤون الإفريقية، التي باتت قطبا متميزا ذات أبعاد وطنية وإقليمية ودولية؛ الأمر الذي جعل عدد الدبلوماسيين الأجانب الذين يتلقون تكوينات خاصة بها يرتفع سنة 2026م بنسبة117% .

إن هذه العراقة ما تجعل الخُطب الملكية ليست مجرد حشو بلا دلالات؛ بل كل كلمة منها، وكل حرف يُوزن بميزان الذهب، عرفه من عرفه وجهله من جهله، خذ على سبيل المثال لا الحصر، حينما أصدر جلالة الملك محمد السادس أوامره المطاعة بمراجعة أحوال مدونة الأسرة، المنبثقة عن قوانين الشريعة الإسلامية، خطب قائلا بأنه لا يُحل حراما ولا يحرم حلالا؛ رغم أن الكثيرين أنذاك، لم ينتبهوا إلى أن أصل هذا القول، ما قاله جدُّه، صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنا، حينما أراد علي بن أبي طالب أن يتزوج بنت أبي جهل، حيث جاء في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:

“وإنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا، ولَا أُحِلُّ حَرَامًا، ولَكِنْ واللَّهِ لا تَجْتَمِعُ بنْتُ رَسولِ اللَّهِ وبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا.”

ومن بين الأمثلة البارزة أيضا على ثِقل الخطب الملكية ورزانتها، خطاب جلالة الملك محمد السادس الذي دعا فيه الجزائر إلى حلٍّ لا غالب فيه ولا ومغلوب، وهي نفس الدعوة التي دعا المك الحسن الثاني، رحمه الله تعالى، إليها الإسبان بعد نجاح المسيرة الخضراء؛ مما يدل على أن الخطب الملكية تحفا نادرة، وسنفونية دبلوماسية متواصلة عبر الأجيال، يعزفها أعظم وأمهر السياسيين في العالم؛ ولكن حمقى العسكر لا يفقهون.

وما شدَّني في خطاب 31 أكتوبر الأخير، والذي أعتبره شخصيا الموسم الثاني والأخير من مسلسل “المسيرة الخضراء”، هو تأكيد جلالته على كلمة “الحدود التاريخية”، وهي الكلمة التي تقض مضجع العسكر، وتجعل النوم يطير من أجفانه إلى يوم الدين؛ كما أنها إشارة واضحة لا لُبس فيها، إلى أن اليد الممدودة لجلالة الملك، ودعوته إلى المصالحة وحسن الجوار، لن يكون على أساس ما ورثناه من حدود عن الاستعمار؛ لأن الشريعة الإسلامية واضحة في هذا الباب: “لا يرث مسلم كافرا”.

زر الذهاب إلى الأعلى