
د/ الحسين بكار السباعي.
أثارت الواقعة الأخيرة التي عرفتها مدينة تازة، حين حررت لجنة تابعة للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين محضر مخالفة ضد صاحب مقهى صغير بسبب تشغيله أغنية لفيروز دون ترخيص، موجة واسعة من السخرية على منصات التواصل الإجتماعي. وقد بدا واضحا أن التفاعل الرقمي لم يكن موجه ضد حماية حقوق المؤلف من حيث المبدأ، بل ضد الطريقة التي تم بها تنزيل القانون وسياقه والانتقائية المفترضة في تطبيقه.
إن المنظومة القانونية المغربية، وخصوصا القانون رقم 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة كما تم تغييره وتتميمه، تنص بوضوح على ضرورة الحصول على ترخيص عند بث المصنفات الفنية في الفضاءات التجارية. وهذا أمر معمول به دوليا، ويهدف إلى ضمان المقابل العادل للفنانين والمؤلفين، بإعتبار أن الموسيقى المستعملة في الفضاءات المهنية تعد استغلال تجاري يدر منفعة غير مباشرة على المؤسسة.
غير أن ما وقع في تازة يكشف خلل في مستوى التواصل العمومي أكثر مما يعكس خلل في النص القانوني نفسه. إذ وجد المواطنون أنفسهم أمام إجراء بدا مفاجئ، و يستهدف مقهى بسيط وشعبي بالكاد يغطي تكاليفه اليومية، دون أن يسبق ذلك حملات توعية أو إخبار أو مقاربة تدريجية تراعي حجم النشاط الإقتصادي. هذا الإنطباع غذى نوعا من الشعور العام بالإنتقائية،و جعل الكثير من النشطاء يتساءلون لماذا يتم التركيز على فضاء صغير بينما توجد مؤسسات سياحية و تجارية كبرى تستعمل الموسيقى بشكل يومي ولا يصل إليها مثل هذا النوع من المراقبة إلا نادرا؟
هنا بالتحديد ولدت السخرية الرقمية، كسخرية لا تطعن في حق الفنانين ولا في شرعية القانون، بل في مشهد بدت فيه السلطة التنظيمية وكأنها تصطاد “الأسهل” بدل أن تتجه نحو الفضاءات التي تحقق أرباح كبيرة وتملك القدرة المالية على الإمتثال للحصول على ترخيص باستعمال مصنفاد فنية في ممد زمنية محددة. وما زاد من حدة التهكم هو أن الأغنية المعنية تخص الفنانة الكبيرة فيروز، أي رمز فني يرتبط في المخيال الجماعي بالهدوء والجمال، لا بالاستغلال التجاري الصارخ، مما جعل الواقعة تبدو، وفي نظر الرأي العام، غير متناسبة مع حجم الإجراء.
إن مشكل واقعة تازة لا يتعلق بجوهر الحماية القانونية وظرورة الامثتال لنفتذ القانون، بل بشكل الإنخراط المؤسساتي في تأطير سلوك المواطنين والمقاولات الصغيرة. فلو تم إعتماد مسار تواصلي تدريجي يشرح الحقوق والواجبات، ويتيح للمقاهي الصغيرة الإندماج الطوعي في نظام الترخيص، لما كانت الواقعة لتأخذ هذا الحجم من التهكم.
حادث مقهى تازة يحيلنا على درس مهم و هو أن حماية حقوق المؤلف تحتاج، بالإضافة إلى صرامة القانون، إلى ذكاء في التواصل، وعدالة في التطبيق، ومرونة تجاه المقاولات الصغيرة. فبدون هذه المرتكزات، ستظل المبادرات، ومهما كانت مشروعة، قابلة للتحول إلى مادة ساخرة في الفضاء الرقمي، بدل أن تساهم في بناء ثقافة تحترم الإبداع وتدعم الفنان المغربي والعربي والعالمي.






