أخبار الدار

ناقلة النفط الإيرانية في جبل طارق.. تنقل محنة عمال مغاربة إلى الواجهة

طلحة جبريل

عقب قرار محكمة في جبل طارق السماح لناقلة النفط الإيرانية بالمغادرة بعد أسابيع من الإحتجاز، أصبحت الصخرة وحوض السفن وعماله المغاربة في واجهة الأحداث.

مفارقات التاريخ في "جبل طارق " لا تنتهي.

حين كان ونستون تشرشل ( رئيس وزراء بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية) في طريقه لحضور مؤتمر في العاصمة الإيرانية طهران، توقف في جبل طارق وسمع المثل المتداول الذي يقول "حين تترك القرود جبل طارق فان الإنجليز سيرحلون عن الصخرة" .  لذلك  طلب من الحاكم البريطاني لصخرة جبل طارق العناية بتلك القرود التي تعيش في الصخرة حتى اليوم والتي يقال إنها جاءت مع العرب حين غزوا جبل طارق في القرن الثامن الميلادي.

لكن ما هي حكاية العمال المغاربة في أشهر حوض سفن في العالم.

مهلاً سأروي لكم .

عندما شاخ الأسد البريطاني، رمز الأمبراطورية البريطانية ، بدأت مشكلة جبل طارق تعرف مسارا جديدا. في عام 1967 حين شرعت الامبراطورية في لملمة ما تبقى لها من اطراف نظمت استفتاء في جبل طارق كانت نتيجته صاعقة ومحبطة للجنرال فرانكو الرجل القوي  وقتها في  مدريد  “إذ  عبر سكان جبل طارق  عن رغبتهم في البقاء ضمن الامبراطورية البريطانية" كما قالت لندن .

كرد على نتائج الاستفتاء البريطاني الذي جرى في عام 1969 ، سيسارع  فرانكو باغلاق الحدود براً وبحراً، لخنق جبل طارق اقتصادياً. هنا لم يكن متاحا لسكان جبل طارق إلا الاتجاه جنوبا عبر البوغاز إلى المغرب، بحثاً عن طرق ل فك الحصار.

تجاوب وقتها الملك الحسن الثاني مع رغبة حكومة جبل طارق، لذلك لم يتوان المغرب من تقديم كل شيء.. من الايدي العاملة- بعد رحيل الاسبان- الى الخضروات حتى الماء الصالح للشرب.

عندما التقيت جو باسانو رئيس حكومة جبل طارق الأسبق خلال الفترة ما بين 1988 إلى 1996 ، سألته عن المثل القائل ""حين تترك القرود جبل طارق فان الانجليز سيرحلون عن الصخرة"  ابتسم قائلا" اذا عرفت انه لم يعد للامبراطورية البريطانية سوى ست مستعمرات يعتبر جبل طارق الذي لا تتجاوز مساحته سبع كيلومترات أكبرها، ادركت ماذا حدث لتلك الامبراطورية".

تنازل ملك اسبانيا عام 1703 لملك بريطانيا في اتفاقية عرفت باتفاقية "اولتريخت" عن جبل طارق ، وبعد تسع سنوات فقط من توقيع تلك الاتفاقية  حتى بدا الاسبان يطالبون باعادة ضم جبل طارق، واستمرت المطالبة أزيد من  ثلاثة قرون ، لكن بريطانيا لم تعر أدنى اهتمام للطلب الإسباني.

قال لي الدكتور ريجالنت فالرينو الذي كان يشغل منصب وزير العمل والضمان الاجتماعي في حكومة جبل طارق"نحن لا يمكن أن نتنكر لدور المغرب والمغاربة اثناء الحرب العالمية الثانية ثم ترحيل سكان جبل طارق الى المغرب لحمايتهم من أهوال الحرب.. وفي عام 1969 حين اغلق فرانكو الحدود قدم لنا المغاربة مساعدات قيمة".

عقب قرار فتح الحدود جزئيا قبل سنوات التقيت آنذاك محمد الصرصري رئيس رابطة العمال المغاربة الذين يعمل جلهم في جبل طارق منذ الستينيات، وكان الصرصري مستاء من تضييق الخناق على العمال المغاربة تمهيدا لترحيلهم رغم أن الحكومة المغربية كانت قد وقعت مع حكومة جبل طارق على "محضر" يضمن بعض حقوق هؤلاء العمال ويرجح ان الحكومة المغربية آنذاك لم توقع اتفاقية واكتفت بذلك "المحضر" حتى لا تزعج اسبانيا التي ربما فسرت توقيع "اتفاقية" بانه بمثابة اعتراف غير مباشر باستقلال جبل طارق.

على الرغم من عدد العمال المغاربة تناقص كثيراً في حوض السفن في جبل طارق إلا أن أوضاعهم  تزداد سوءا. القوانين التي تصدرها حكومة جبل طارق تشمل ظاهريا كل العمال، لكن بالنسبة للعمال المغاربة  هناك عراقيل متعمدة وثغرات ترمي الى الضغط على العامل المغربي للعودة الى بلاده.

أي أنهم عصروهم  مثل الليمون والآن يريدون رمي القشور.

لا يعترف القانون بالعامل المغربي  كمقيم، بل ترتبط اقامته بعقد الشغل اذا انتهى عقد الشغل او فقد وظيفته يمنح مهلة ستة أشهر يبحث عن عمل جديد، وحين يجد العمل ويتقدم بطلب الى مكتب التشغيل للمصادقة عليه، يتذرع المسؤولين بأن السكان المحليين ورعايا دول الاتحاد  الأوروبي لهم الاولوية طبقا للقوانين المحلية  وبالطبع لا يتاح للمغاربة الاطلاع على قائمة  العاطلين حتى يعرفوا  ما إذا كان هناك بالفعل من ينتظر الوظيفة التي حصل عليها العامل المغربي. إضافة إلى ذلك كل عامل مغربي يفقد عمله في القطاع العام، يمنع نهائيا من العمل من جديد في هذا القطاع وتقع ضغوط على القطاع الخاص لمنع تشغيل المغاربة.

هناك كذلك مشاكل أخرى، منها عرقلة اصطحاب العامل المغربي لأسرته لتقيم معه في جبل طارق حتى لو توفر له السكن الملائم، وعدم استفادة العمال المغاربة من صندوق الضمان الاجتماعي، وحرمانهم من عدة امتيازات يحصل عليها باقي العمال.

 يسمح للعامل المغربي في جبل طارق ان تزوره عائلته لمدة يجب ان لا تتعدى باي حال من الأحوال ثلاثة أشهر فقط في السنة، ويمنع على أطفاله دخول المدارس حتى ولو كانت زوجته تقيم معه وتحمل رخصة عمل ، ويمنع منعا باتا على زوجته اذا كانت حامل ان تلد في جبل طارق حتى لا يكتسب المولود اي حقوق مدنية، وروى لي بعض العمال قصة درامية،. حول زوجة مغربية وضعت مولودها في جبل طارق واضطرت لاخفائه مدة طويلة في ظروف صعبة حتى استطاعت ان "تهرب" به الى طنجة.

ينص القانون المحلي ان تغادر الزوجة الحامل  جبل طارق وفي حالة تجاوز المدة "القانونية" تطرد هي وزوجها من جبل طارق.. ويقول المسؤولون في تفسير هذا القانون بان مرده الى "ازمة السكن".وعلى ذكر "ازمة السكن" هذه فان قانونا عجائبيا اخر ينص على عدم كراء  اي مسكن لعامل مغربي. وعاش العمال المغاربة سنوات في عنابر كانت اصلا مخصصة للجنود البريطانيين  يتكدسون بداخلها كما يتكدس الدجاج في الأقفاص.

ورغم وجود عنابر اخرى جديدة نسبيا بالمقارنة مع الاولى الا ان مسؤولي وزارة الشغل  يقولون إن العمال المغاربة يفضلون الاولى لانها ارخص، وحين سألت عن الفرق بين ايجار الاولى والثانية قيل لي انه ثلاثة جنيهات استرلينية ( 45 درهما تقريباً) علما بان الغرفة الواحدة  في السكن الاول ينحشر بداخلها اكثر من ثلاثين شخصا، وفي الثانية خصصت غرفة لشخصين فقط.

المحصلة النهائية ان وضعية ما تبقى من العمال المغاربة لا تزداد سوءا فقط، بل ان القوانين والاجتهادات الخاصة في اطار هذه القوانين تهدف الى طرد ما تبقى منهم رغم السنوات الطويلة التي امضوها هنا، يمارسون مهنا شاقة ومرهقة.

ولعل من المفارقات أن يسلط إحتجاز ناقلة النفط الإيرانية الأضواء على محنة العمال المغاربة في جبل طارق…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 13 =

زر الذهاب إلى الأعلى