المغرب.. فقر وجوع يطوق مهاجرين أفارقة على الطرقات
الدار/ فاطمة الزهراء اوعزوز
بالنظر لسوقه الاقتصادية التي تبدو مغرية بالنسبة لبعض المهاجرين، وبفضل موقعه الاستراتيجي الذي يعتبر قاطرة نحو الضفة الأخرى أو كما يسميها عابرو السبيل "الفردوس الأوروبي"، أصبح المغرب بمثابة قاطرة للهجرة السرية التي تتخذ العديد من الأوجه غير القانونية، خصوصا وأن المغرب أصبح اليوم الوجهة المفضلة التي يقصدها العديد من المهاجرين الأفارقة، غير أن المفارقة تتعلق بالمقاربة الحقوقية، بالنظر لوجود مجموعة من المهاجرين الأفارقة الذين يفترشون الأرض والأرصفة بالمغرب، في انتظار المستقبل المجهول، وهي من المظاهر التي تتمكن وبسهولة النفاذ إلى الذاكرة المواطن المغربي، خصوصا في الظرفية الراهنة، والتي تؤرخ لوجود مجموعة من المهاجرين الأفارقة دون مأوى حيث يغدو الشارع هو الملاذ الأوحد الذي يفرون إليه.
لا مرد لكلمة القدر
من المظاهر التي تستوقفك وأنت بالعاصمة الرباط، والتي تصبح مدعاة لطرح مجموعة من التساؤلات، صورة المهاجرين الأفارقة الذين ينتشرون في شوارع المدينة، والذين لم يمنعهم البرد من القارس وهطول المطر من شد الرحال إلى أوطانهم التي طوقتها حبال الفقر والحروب بل والمجاعة أيضا، حيث يصبح البديل هو الأمر المنعدم، ليظل الخيار الوحيد الانصياع لرغبة القدر، والصمود تحت جميع أنواع القهر والذل التي تعتبر وجها بارزا لظاهرة الهجرة المغرب.
من البديهي أن ظاهرة الهجرة والعدد الكبير للمهاجرين الذين يعمرون الأزقة والشوارع، لا تعتبر ظاهرة وليدة اللحظة إنما تعد نتاجا فعليا لتواتر مجموعة من العوامل والأسباب، غير أن الظرفية الراهنة الموسومة بحالة جوية يصفها بعض المهاجرين بالصعبة، هي التي عرت عمق الألم الذي يطال حياة هذه الفئة من المهاجرين، خصوصا وأنهم يفيدون في تصريح لموقع "الدار" أنهم لا يستفيدون من الخدمات الضرورية كلاجئين أو مهاجرين غير شرعيين، أكثر من ذلك فإن الحديث مع أحد المهاجرين الأفارقة أبان عن وجود مجموعة من الاختلالات في حقهم، والتي تتورط فيها بعض الجهات المسؤولة عن الهجرة، من قبيل المفوضية السامية للهجرة، التي عينت أحد المهاجرين كممثل للبقية غير أنه استغل ذلك للاستيلاء على حصة الدعم التي تمنحها الجهات الوصية على حماية حقوق المهاجرين.
بغض النظر عن تضارب الآراء حول مدى احترام المهاجرين الأفارقة للأنظمة الداخلية بالمغرب، إلا أن الموقف من الجانب الإنساني والمرتبط بالأوضاع الاجتماعية والحقوقية التي تخص هذه الفئة، يصبح موحدا، خصوصا وأنه لا جدال حول ادني الظروف التي تطال هذه الفئة.
شوارع الرباط… مستوطنات عشوائية للمهاجرين
طلبا للدقة أكثر، تنقلت كاميرا موقع "الدار"، بين مفترقات الشوارع والأزقة في الرباط، والتي تعرف توافدا كبيرا للمهاجرين الأفارقة بالرباط، لتنقل قصصا إنسانية يأسف لها المرء، ومن حسن الصدف أو بالأحرى من سوءها صادفنا أسرة بأكملها تبيت في العراء وتفترش الأرض، الأب والأم والأمر الذي يزيد وضعهم سوءا هو أطفالهم الأربعة، الذين جردوا من معنى الطفولة ليصبح الضياع عنوانهم، تقول الأم البالغة من العمر 28 سنة، "إن الظروف التي نعيش تحت رحمتها هنا بالمغرب، لا يمكن وصفها إلا بالقاسية، لأننا لا نحظى بالظروف الإنسانية التي من شأنها أن تحفظ الكرامة"، أكثر من ذلك فإن الإبنة الصغيرة التي لا يكاد يتجاوز عمرها 13 سنة يتضح من خلال الكلمات التي تنطق بها أنها أصبحت تثقن لغة الكبار، لأنها تحدثت عن الألم، المعاناة حينما قالت: لا نبحث عن الاغتناء أو الثراء بل يكفينا بيت صغير يحمينا من شدة الحر ولظى البرد القارس الذي يعبث بنا دون رقيب أو حسيب.
الإنسانية… فقيدة المجتمع المغربي
غير أن النقطة المثيرة في الموضوع، هي تلك المتعلقة بعلاقة المهاجرين الأفارقة بالمواطنين المغاربة، الأمر الذي يذهب بنا إلى مساءلة طبيعة الآصرة الاجتماعية التي تربط الطرفين، وهل الأمر يتعلق بعلاقات اجتماعية عنوانها الإنسانية والتضامن، أما أن الجفاء والتمييز العنصري هو الموقف الطاغي. وفي أفق الإجابة عن هذا الموضوع سألنا بعض المهاجرين الذي يقطنون بأحياء شعبية بالرباط مثل حي "يعقوب المنصور" وحي "المسيرة"، لتكون الإجابة هي أن الموقف الطاغي هو انعدام المواقف الإنسانية، مؤكدا في حديثه لمكروفون "الدار"، أن المواقف الإنسانية هي الحلقة المفقودة في المجتمع المغربي في تعامله مع المهاجرين المغاربة، ومشيرا إلى أن العائلات المغربية التي تعيش على مقربة من كوخهم البلاستيكي لا يحركها ساكنا أمام وضعهم الصعب، كونهم لا يتلقون أدنى شروط المساعدة.
وعن رأي المواطن المغربي، تقول إحدى النساء اللواتي يقطن على مقربة من حي القامرة الذي يعتبر وجهة أساسية للمهاجرين الأفارقة، إن الوضعية المزرية التي تطال هؤلاء المهاجرين صعبة جدا، ومن ثم فإن المساعدات التي تقدمها العائلات المغربية لهؤلاء تظل هزيلة وغير كافية لمساعدتهم غلى الاستقرار، "مساعدة المهاجرين الأفارقة ليست مسؤولية المواطنين، بل مسؤولية الدولة المغربية، التي فتحت أبوابها في وجه المهاجرين للدخول والاستقرار بالمغرب، دونما العمل على توفير الظروف الأساسية للعيش" تقول هذه المواطنة.
الجانب الحقوقي منتهك
وتفيد مجموعة من الجهات الحقوقية التي تنشط للدفاع عن حقوق المهاجرين الأفارقة أن الوضعية الحقوقية لهذه الفئة تعاني الأمرين، بالنظر لصعوبة الظروف المعيشية، وهو الأمر الذي اشتد أكثر مع قساوة التقلبات الجوية التي تحمل معها الأمطار والبرد، كما تحمل معها العديد من الآلام التي تصبح غائرة أكثر كل سنة مع حلول فصل الشتاء.
يفيد الباحث في قضايا الهجرة عبدالكريم بلكندوز، أن تجاوز هذه الوضعية الحقوقية التي يعتبرها مزرية للمهاجرين الأفارقة، هي مسؤولية الدولة المغربية، معتبرا أن المؤسسات الوصية على هذا المجال لا تقوم بالدور الأساسي لها، والتي يجب أن تركز على الإنصات لهموم هذه الفئة وتنزيل المقاربة الحقوقية والإنسانية لمعالجة وضعياتهم الإجتماعية.
وفي السياق ذاته ينتقد بلكندوز مجلس الجالية المغربية ما سماها "قراءته الرجعية" للمادة 17 من الدستور، معتبرا أن "كل ما يقوم به هذا المجلس هو عقد الندوات والمحاضرات، وهو أمر جميل لكنه يظل متجاوزا، قبل أن يردف بأن "المهمة الرئيسة التي أنشأ من أجلها المجلس لم تتم كما ينبغي"، وهي المتمثلة في إعادة الحقوق إلى ذويها وتسليط الضوء على المعيش اليومي للمهاجر أفريقيا كان أو مغربيا يحط الرحال خارج المغرب، معتبرا أن المهاجر هو الحلقة الأضعف، والموجة التي يتم الركوب عليها طلبا للأضواء والجدل غير المجدي للنفع.