كيف استفاقت قرية تيزرت على هول الكارثة؟
استفاق سكان قرية تيزرت جنوب المغرب على هول الصدمة والحزن بعد الفيضانات التي حولت مباراة لكرة القدم إلى مأتم، حيث أودت السيول بسبعة اشخاص. ولا يزال البحث جاريا الخميس عن ضحايا محتملين آخرين بينهم رجل ستيني في عداد المفقودين، بحسب مصادر متطابقة.
من جهتها، أكدت السلطات المحلية إنقاذ شخص "مصاب بجروح".
وكانت طائرة مروحية تحلق صباحا فوق المنطقة التي جرفتها السيول بينما دفن سكان القرية الواقعة بضواحي مدينة تارودانت ضحايا الفاجعة بعد صلاة الظهر.
وتخيم على القرية أجواء الحزن والصدمة "جراء الكارثة المفاجئة التي لم يتوقعها أحد"، بحسب شهادات نقلها مراسل وكالة فرانس برس.
وكانت الأجواء مختلفة تماما مساء الأربعاء حين تجمع السكان في ملعب لكرة القدم لمتابعة المباراة النهائية لدوري هاو.
لكن الملعب المفتوح الواقع في ممر واد صار في لحظات أثرا بعد عين، بعدما غمرته سيول قوية فاجأت الحاضرين.
وحاول الضحايا الاحتماء منها بالصعود فوق سطح بناية أقيمت حديثا في الملعب، لكن السيول جرفت سبعا منهم، هم شاب في السابعة عشرة وستة مسنين.
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية إن الأخيرة أكدت أثناء اجتماعها الخميس "تعزيز استراتيجية تدبير المخاطر الطبيعية بما يقوي القدرات الاستباقية".
وأشار إلى "تقوية أنظمة الإنذار المبكر"، و"التسريع بإحداث" جهاز خاص بتدبير الكوارث.
وكانت السلطات المحلية أعلنت ليل الأربعاء الخميس فتح تحقيق "تحت إشراف النيابة العامة حول ظروف وملابسات هذا الحادث وتحديد المسؤوليات".
وتساءلت وسائل الإعلام المحلية وعدة تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي غداة الكارثة عن مسؤولية الترخيص ببناء تلك المنشآت في منطقة خطرة.
ونشرت صفحة تتابع أخبار التراس نوادي الكرة المغربية على فيسبوك صورة للاعبي الفريقين وهم يدخلون الملعب قبيل بدء المباراة وعليها عبارة "إنا لله وإنا إليه راجعون"، داعية إلى "محاسبة المسؤولين".
ويضطر هواة كرة القدم، الرياضة الأكثر شعبية بالمغرب، في المناطق الجبلية مثل قرية تيزرت أحيانا إلى اختيار منبسطات تقع في ممرات وديان خطرة لممارسة هوياتهم المفضلة، منها الملعب الذي كان مسرحا للكارثة والذي بادرت جمعية محلية إلى تهيئته ببناء مدرجات وغرفة للملابس "بجهود ذاتية".
وانتهت الأشغال منتصف آب/أغسطس بحسب الناشط في جمعية "أصولي" الانمائية لطفي خالد.
وأوضح المسؤول في هذه الجمعية الواقعة في قرية قريبة من تيزرت أن تساؤلات طرحت حول مخاطر بناء منشآت فوق أرض تقع على ممر الوادي "لكن أصحاب المشروع كانوا مطمئنين لكون السيول لم تغمره منذ سنوات طويلة".
وأظهرت مقاطع فيديو مشاهد للسيول تتقدم بسرعة لتغمر الملعب في شكل كامل وتجرف كل شيء في طريقها.
وقال شاهد عيان "عمري 64 سنة، ولم أر في حياتي كارثة مثل هذه".
وأعرب ناجون في تصريحات لوكالة فرانس برس عن شعور بالحسرة لكون التحذيرات التي وصلت من سكان قرى مجاورة، عبر اتصالات هاتفية لم تؤخذ على محمل الجد، حتى فوجئوا بالسيول تودي بالضحايا في لحظات.
وقال اسماعيل زيزي قريب أحد الضحايا "كان الشباب يتابعون المباراة بشكل عادي رغم أن أنباء وصلت عن احتمال حدوث فيضان إثر تساقط امطار غزيرة (…) ثم غمرت السيول فجأة أرض الملعب فبدأ كل يحاول النجاة بنفسه".
وحذ رت مديرية الأرصاد الجوية في نشرة خاصة من "زخات رعدية قوية" بعد ظهر الأربعاء والخميس في عدد من المناطق جنوب المملكة بينها مدينة تارودانت ونواحيها.
وأشارت النشرة، التي لم تعمم إلا الساعة الثامنة مساء، إلى أن هذه الأمطار يحتمل أن تكون مصحوبة بالبرد ورياح عاصفة.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن الامطار المنهمرة بغزارة أعقبت موجة جفاف كبيرة ما جعل الفيضانات اكثر عنفا.
والفيضانات شائعة في المغرب. ففي نهاية تموز/يوليو الفائت، قتل 15 شخصا اثر انهيار في التربة تسببت به فيضانات على طريق جنوب مراكش. وفي 2014 أودت فيضانات بنحو 50 شخصا مخلفة خسائر مادية هائلة جنوب المملكة.
وحذر تقرير للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية (رسمي) في 2016 حول التحولات المناخية من أن "الفيضانات هي الخطر الرئيسي في المغرب من حيث عدد الضحايا".
واعتبر أنها أضحت معطى "بنيويا" في المغرب، بينما تتزايد الظواهر الطبيعية القاسية في العالم جراء التغيرات المناخية.
ودعا التقرير إلى ضرورة "إعادة النظر في المعايير المعتمدة سواء في ما يتعلق بتصاميم مشاريع البناء أو البنى التحتية القائمة".
وذكر بتبني مخطط وطني للوقاية من الفيضانات سنة 2003 يهدف إلى حماية 438 موقعا مهددا بالفيضانات في أفق 2020 بميزانية تقدر ب25 مليار درهم (نحو 223 مليون يورو)، بحسب وثيقة رسمية نشرت سنة 2012.
ولم يتسن لوكالة فرانس برس الحصول على معلومات عن حصيلة ما أنجز في إطار هذا البرنامج، والذي أشار إلى مسؤولية "العامل البشري" عن الآثار المدمرة للفيضانات.
واعتبرت الوزيرة المشرفة على قطاع الماء في الحكومة السابقة شرفات أفيلال، على موقع فيسبوك، أن المشكلة تكمن في "التعدي على الملك العمومي المائي عبر التعمير العشوائي".
المصدر: الدار- اف ب