أخبار الدار

تحليل إخباري: ساعة العثماني.. بين التقشف والإستخفاف والإرهاق

العيون: سعيد المرابط 

 

منذ ألغت الحكومة، يوم الجمعة الماضي، العمل بالتوقيت المغربي (غرينيتش)، ولا شغل يشغل أحاديث المغاربة، سوى ”ساعة العثماني“، التي أضافتها الحكومة، بسرعة مذهلة. 

النقاش حول الساعة يتطور في أوساط المجتمع المغربي، على كل الأصعدة، ساكباً الكثير من الحبر، في الصحف، وشبكات التواصل.

وينقسم الجدل، حول الساعة، بين مؤيدٍ  يرى فيه قراراً حكيماً يهدف إلى تحقيق مصالح المواطنين والبلاد، ومعارض يعتبره عبثٌ واستخفاف بالمواطن المغربي.

الحكومة: المغاربة يفضلون الاستقرار في توقيت واحد

 

كشف محمد بن عبد القادر، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، للصحافة، أن قرار تمديد العمل بالساعة الإضافية المعمول بها حالياً (GMT+1) طوال السنة، جاء بعد ”دراسة معمَّقة أنجزتها الوزارة، استغرقت بضعة أشهر، خلصت إلى أن المواطنين يتذمّرون من الزيادة والنقصان بمناسبة تغيير الساعة خلال السنة، الشيء الذي ينعكس سلباً على نَومِهِم وعلى التزاماتهم الإدارية كُلَّما تم الإعلان عن العودة إلى التوقيت الأصلي“.

وأكد ذات المسؤول الحكومي في تصريحاته، أن الدراسة التي أنجزتها وزارته كشفت أن ”المغاربة يفضلون الاستقرار في توقيت واحد طوال العام“، مضيفاً أنه ”بناءً على خلاصات الدراسة، قررت الحكومة اعتماد التوقيت الصيفي بشكل مستمر بالنظر إلى إيجابياته، كمساهمته في اقتصاد الطاقة، وكذا تمكينه عدداً من المواطنين من قضاء مصالحهم بعد خروجهم من العمل خلال ضوء النهار“.

ومن جانبه، أعلن سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني، عبر القناة ”المغربية الثانية“، أن التوقيت الجديد الذي سيتم إعتماده في المدارس والجامعات المغربية سيكون من التاسعة صباحاً إلى الواحدة بعد الظهر بالنسبة إلى الفترة الصباحية؛ فيما ستبدأ الفترة المسائية من الثانية بعد الظهر إلى الساعة السادسة مساءً.

 

خليو توقيتكم عندكم.. عريضة مليونية لإسقاط ساعة العثماني

 

أطلقت مجموعة من نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي، عريضة إلكترونية؛ تطالب الحكومة بإلغاء قرار العمل بهذا التوقيت، وتطبيق ما وصفوه ”الساعة البيولوجية الطبيعية طيلة السنة حفاظا على المصلحة النفسية والجسدية للمواطنين واستجابة لمطالبهم“.


وترى المجموعة التي أطلقت العريضة، أن مصادقة الحكومة على هذا القرار قد جاء ”في الوقت الذي ألغت فيه أوربا العمل بالساعة الإضافية بصفة نهائية لما لها من آثار سلبية على صحة المواطن“.

النشاط الذين أطلقوا العريضة، مرفوقة بهاشتاغ ”خليو توقيتكم عندكم“، تساءلوا عن سر ”تجاهل الحكومة للأضرار الصحية للعمل بالتوقيت الصيفي، في القطاع العام والخاص، وما يسببه من إرهاق ومعاناة واختلال للتوازن البيولوجي للمواطن“.

تقشف غير معلن 

يعتبر عمر الراجي، دكتور باحث في الإقتصاد، في حديثه مع ”الدار“، أنه من حيث المنطلق، لتغيير الساعة، ”هناك شق له علاقة بالفاتورة الطاقية للدولة، ونفقات الإنتاج الداخلي الخام، التي تذهب في شراء المحروقات، التي تكلف الميزانية، كتلة مالية كبيرة، وقسم كبير من هذا يصب في إنتاج الطاقة الكهربائية، مما يخلق للدولة؛ عجزاً في الموازنة، وآخر تجاري؛ بسبب شراء الطاقة بكمية ضخمة، لا تستطيع الصادرات المغربية «الفلاحة، الصيد البحري والفوسفات» تغطيتها، اذلك اتجهت الدولة للطاقة البديلة، والطاقة المتجددة، عبر الاستثمار في الطاقة الشمسية والريحية،  من أجل  إنتاج خمسين بالمائة من الطاقة الكهربائية منها، ولكن قبل الوصول لذلك لا زالت تكلفة الإستهلاك الكهربائي هائلة، مع وجود هدر في الإستهلاك، والدولة هي التي تغطي الفجوة بين حصيلة البيع والتكلفة الحقيقية، فحسب المكتب الوطني للكهرباء فالفواتير التي يدفعها المواطن، لا تغطي سوى نسبة قليلة من إجمالي الإستهلاك الوطني“.

 ويضيف عمر الراجي، على ما سبق، أنه ”من أجل أن ترفع الدولة يدها عن هذا، تتخذ مجموعة من التدابير؛ كتحرير الأسعار كما فعلت مع المحروقات، أو التقشف غير المباشر، كما فعلت بزيادة الساعة، للتقليص من الإستهلاك، من خلال بدء النهار قبل وقته بساعة، وانتهائه قبل ذلك بساعة، وذلك يوفر ساعة من الإستهلاك في الإدارات العمومية، لكن هذا يظل نسبي، فإذا نقصت ساعة من ظلام المساء، فقد أضيفت لظلام الصباح، وهذا نقاش كبير“.

الفردية في الإنتاج 

 

وأردف الراجي، للدار، ”من جهة أخرى، يرون في هذه الإضافة؛ نظرية الفردية في الإنتاج، التي تقول كلما بدأ العامل عمله مبكراً، كلما زادت وتيرة الإنتاج، وهذا تؤكده دراسات عالمية، الفترة الصباحية أكبر إنتاجاً من المسائية، إذ أصبحت الفترة المسائية هامشية بإضافة الساعة، لكن تبقى إشكالية تطبيق هذا وتفعيله، بالنسبة للعامل الذي يشترط نشاطه أن يكون قد أخذ ساعات نوم كافية من أجل ذلك، وهل ستتوفر له المواصلات في ذلك الوقت، وهل العامل المغربي مؤهل للعمل في هذه الظروف، لأن عدم تواجد هذا سيؤثر سلبياً على الإنتاج“.

 

انسجام أكبر لنظم الملاحة والمواصلات ونقل المعلومات

يقول كريم عايش، الباحث في الدراسات الدولية والدبلوماسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في حديث لصحيفة ”الدار“، أنه ”إذا كان للساعة الإضافية، مزايا إقتصادية هامة نظراً لتوحيدها توقيت المغرب بجزءٍ كبير من البلدان الأوروبية وبالتالي إستفادة المغرب من تنقيل خدمات مراكز النداء واستعمال الذكاء الصناعي وكذا تآلف الوسائط المعلوماتية وما تمكنه من انسجام أكبر لنظم الملاحة والمواصلات ونقل المعلومات، وهو ميدان قد يجعل المغرب أرضاً للاستثمارات الذكية والتي توفر الأرضية التقنية للجيل الخامس من الشبكات اللاسلكية واستخذام أكثر لشبكة الأقمار الاصطناعية في توجيه المواد والآلات والوسائل بالمدن الذكية المستقبلية“. 

ويرى كريم عايش، أنه  ”مما لا شك فيه أن استغلال اليوم بأكمله في العمل مع تعديل بسيط في الانارة واستعمال الطاقة الكهربائية، قد يخفض الفاتورة ويقلص الانبعاثات الكربونية“، معتبراً، أن ”جوهر العملية يبقى ذلك المواطن، الذي سيطبق هذه الساعة؛ باعتبار وجود شريحة عريضة تشتغل في المصانع والمعامل والنظافة والأمن، فسيضطر أكثرهم للخروج في جنح الظلام قاصدا عمله، وهي ظاهرة منتشرة في المدن الكبرى والضيعات؛ والتي أحياناً يبدأ الإشتغال بها في السادسة صباحاً، هذا إذا ما أضفنا فئة التلاميذ وأطر التعليم التي ستكون على موعد مع الظلام كغطاء يرافقهم إلى أقسامهم، وهذه سمة الخريف وفصل الشتاء حيث يصبح الليل أطول بكثير من النهار ويخيم الظلام في جزء كبير من اليوم بفعل الغيوم والأمطار“. 

 

تغيير لعادات المغاربة 

وحول آثار الساعة على المجتمع، يعتقد عضو مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية، كريم عايش، أن هذا يفرض على المغاربة ”تغيير عاداتهم الإجتماعية والتأقلم مع إحساس دائم بالتأخير وغياب الوقت، وهو إحساس يلازمهم كلما استسلموا لعاداتهم القديمة، والمرتبطة بطول النهار المضاء باشعة الشمس، في حين أنه شعور مخادع يربك نفسية المواطن ويحمله ثقلاً نفسياً للتأقلم والاندماج أكثر من قبوله كأمر واقع“.

وأردف، كريم عايش، ”لذلك فإن أي إجراء مواكب، لن يكون تسهيلاً ومساعدة بقدر ما سيكون إرباكا وخلقاً لأجواء غير اعتيادية تغير من تصرف مجتمع بأكمله سيكون محكوماً بيوم يبدأ بالليل وينتهي عند حلول الظلام“.

إرهاق نفسي ومعنوي

وأبدى ذات المتحدث، تساؤله عما إذا كان هناك فعلاً دراسة علمية ”تتحدث عن تأثيراته و عبثه بالساعة البيولوجية للإنسان علما أن جل الشباب المغربي؛ من صنف ما يسمى «بومة ليل»، أي ممن يقضون ساعات سهر طويلة ليلاً، عكس '«عصافير الفجر»، الذين يستيقظون باكراً لقضاء أغراضهم، ونتسائل أيضا عن مغزى إبقاءها طالما هناك شبه إجماع ضدها، وأن كل البرامج والمواقيت ستتغير لإبقائها وكأنه يراد الدفع بمجتمع أكمله دفعاً نحو الإرهاق النفسي والمعنوي“.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى