المواطن

أسرى حرب الصحراء.. قصص من جحيم البوليساريو

الدار/ صفية العامري

 

جنود مغاربة أسرى حرب الصحراء، عاشوا ما يزيد عن عشرين سنة من العذاب والمعاناة، ويحلمون كل يوم بالعودة إلى وطنهم وعائلاتهم، لكن تفاجئوا بعد أن وطأت أرجلهم تراب الوطن، دخلوا في معاناة أخرى، جراء تعويضهم عن سنوات الألم والعذاب. في حديثهم لموقع "الدار" عن المشاهد القاسية التي عاشوها وسنوات الرعب والألم…

 

تبخرت أحلامهم بعد العودة إلى وطنهم

 

بعد عيشهم في جحيم البوليساريو وتعرضهم لأشد أنواع العقاب في مخيمات تندوف، كانوا يحلمون كل يوم،  بلحظة العودة إلى أرض الوطن، رافعين رؤوسهم متطلعين إلى غذ أفضل، للاستمرار في تحمل مآسي الأسر، لكن بعد عودتهم صدموا بوطن قدم لهم عذابا آخر، أكثر قساوة على الغريب، حملوا السلاح وكانوا في مواجهة العدو مخلصين في دفاعهم، يقدمون حياتهم فداء لوطنهم الحبيب.

 

جنود أسرى الحرب…مشاهد تعذيب قاسية

أسلام مبارك جندي مغربي أسير حرب عائد من جحيم تندوف، اعتقل بتاريخ شهر نونبر1980 وعاد إلى أرض الوطن في 2003 شتنبر، ينحدر من إقليم طاطا،

 يحكي لموقع "الدار"، على لسانه أهوال جحيم تندوف من معاناة وظروف عيش قاسية، سرقت من الجنود حياتهم.

كثيرة هي أنواع التعذيب التي رافقها الألم وقتل الذات، وأصعبها عيش الموت أكثر من مرة، يصف الجندي العائد معاناة الجنود الأسرى: "البوليساريو لا تقتل بالبارود لتنهي حياة الجندي الهارب من جحيمها بقدر ما تتلذذ في تعذيب الأسير والاستمتاع بأنينه وشدة ألمه، عشت هذه الأحداث بكل تفاصيلها، حيث قتل أحد الأشخاص يدعى هراس، من آيت وابلي، ولا مورش، بعد محاولتهم الفاشلة في هروبهم، قام مرتزقة البوليساريو بربط هذين الجنود الأسرى بعد علمهم نيتهم في الهروب، ربطوهم أمامنا ونزعوا لهم ملابسهم كاملة وربطوهم مع السيارة، وعمدوا إلى جرهم أحياء، حتى أصبحوا عبارة عن أطراف، وانتظرنا حتى انصرفوا وذهبنا وقمنا بجمع العظام وأطراف من اللحم، توجهنا إلى مكان قريب وحفرنا حفرة وضعنا فيها ما جمعناه من أجزاء الجثث.

لامورش من تيزونير وآخرون، جنود كانوا يستمعون للمذياع،  عاقبوهم على ذلك بربطهم  أمام الحراسة، وتركوهم  تحت حرارة الشمس، والعطش وهم عراة إلى أن تعبوا من العقاب وماتوا في مكانهم.

عشنا الجوع والحرمان من الأكل والشرب، ونزعت ملابسنا وضربنا بسلك كهربائي، حيث نعمل كل يوم منذ الصباح الباكر في البناء منعزلين في مركز يسمى مركز 12 أكتوبر، حيث شاهد عيناي مقتل 25 أسير مغربي،  بعد أن حاولوا الفرار من جحيم  البوليساريو، تعرضوا خلالها إلى نزع الملابس والضرب والحرمان من الأكل، والتعرض للحرارة والبرد حتى غادروا الحياة،  وبقي منهم  خمسة أسرى فقط. 

 

جحيم تندوف.. نزع الذكورة للجنود الأسرى

كان مرتزقة البوليساريو يعمدون إلى قتل الذكورة في الجنود الأسرى، وحرمانهم من رجولتهم وإحساسهم الجنسي، يقول محدثنا، بعدما تقدم تقارير تنجر من طرف مسؤولين جزائريين، والتي  تبين عدم انصياع الأسير إلى أوامر المسؤول، ليتم إحالته على المشرف من أجل اتخاذ قرار تنفيد عملية نزع الذكورة في حقه،  القاضي بربط الأسير وكي أحد العروق المتواجدة بالقرب من خصيته، ليصبح فيما بعد غير قادر على ممارسة الجنس، واسترسل في تصريحه لموقع "الدار" عن آثار التعذيب بعد عودتهم إلى وطنهم: عرفت بعدها ما وقع إلى هؤلاء الجنود الأسرى بعد رجوعهم إلى المغرب؛ حرموا من تأسيس أسرة وإنجاب الأبناء، أحدهم يقطن في مدينة بني ملال، عرضت عليه عائلته الزواج من إحدى الفتيات  لم يمتلك القدرة من أجل الإفصاح لعائلته بما حصل له، وعدم امتلاكه القدرة على المعاشرة الجنسية والإنجاب، فقرر الهروب من عائلته. فيما أقدم أسير آخر تعرض لنفس العملية،  قدم على الانتحار؛ بعد أن شددت عائلته على زواجه وترشيح أكثر من امرأة للارتباط بها.

أعتبر نفسي محظوظا بعد أن أنقدني مسؤول مكلف بإنجاز التقارير، أنه قد يتم إخضاعي لعملية نزع ذكورتي، ونبهني لذلك؛ وطلبت مباشرة أن يتم نقلنا أنا وجندي آخر إلى مركز قريب من موريتانيا، مكثنا فيها مدة ثلاث سنوات. فيما تعرض جندي أسير إلى تعذيب من نوع آخر، حيث قام بعض الجزائريين بتثبيت الأسير فوق قنينة زجاج من حجم لتر، ووضعوا على ظهره حمولة ثقيلة جدا، حتى انفجرت مؤخرته.

حرب الصحراء.. كلها خيانة

 

لمكلع الحسين، جندي مغربي أسير حرب الصحراء، عائد من جحيم الجزائريين، ينحدر من مدينة كلميم، أسِرَ شهر يوليوز، سنة 1979، وعاد إلى أرض الوطن، يحكي لموقع "الدار" عن أهم الأحداث والمشاهد القاسية التي عاشها رفقة الأسرى المغاربة، معربا عن معاناته بعد عودته من جحيم البوليساريو.

يروي الأسير بحرقة سيناريو تعذيب الجنود المغاربة أسرى الحرب: أقبح شيء هو السوط الكهربائي، ضربته تنزل كالحريق يشتعل في قلب الأسير مباشرة، عشنا حالة مزرية ومعاملة قاسية جدا، عشنا جميع أنواع العذاب؛ حفاة وعراة وجياع، وأشغال شاقة منذ الخامسة صباحا إلى الواحدة ليلا. وإذا احسوا بنية هروب أحد الأسرى يعرضونهم إلى أبشع وأخطر أنوع التعذيب، يعلق  الأسير وتوقد النار النار تحت رجليه، وبعضهم يعلق من رجليه ورأسه في الأسفل، يعمدون إلى الدق بألة حادة ليسمع صوت حاد على رأسه، حتى  يختل عقله. وشك الجزائريون في أحد المدنيين أبكم،  كونه يعمل لصالح المخابرات لأنه التزم الصمت، وصبوا عليه مادة كحولية وأشعلوا فيه النار. فيما أخضع جنديين أسرى كانوا رفقة أسير تمكن من الهروب، لا يعلمون بهروبه

رأيت وعشت العديد من أنواع التعذيب، لكن كنت دائما لا أجلس في معزل عن باقي الأسرى، نتحمل الضرب والجوع يقتلونه ويجمعونه في غطاء ثم يرمونه في الخلاء عدد منهم

وبعد عودتنا لم نجد أحذا يستقبلنا، همشونا تركوا لنا 1500 درهم بدون عائلة أو سكن والباب الذي نقصده لم يستجب لنا أحد عشرون سنة من العذاب زد عليها العذاب الذي ذقناه هنا في بلدنا،

 

أنا أسير حرب الصحراء.. وطني ظلمني وأطلب العيش الكريم

سعيد شهاب جندي مغربي أسير حرب الصحراء، اعتقل سنة 1984، وعاد إلى وطنه سنة 2000، ينحدر من مدينة كلميم قضى 17 سنة في جحيم مرتزقة البوليساريو، ينحدر من مدينة كلميم يروي ماعشه من أحداث قاسية وإحساسه بالظلم بعد عودته إلى الديار.

يقول: نحن الجنود الأسرى المغاربة في الجنوب، اعتقلونا في معزل عن جنود الداخل، عشنا العذاب الشديد، حيث كنا عبيدا لدى البوليساريو، حيث كان الأسير هو اليد العاملة لهم، يقوم بالكنس والتنظيف والطبخ والبناء. الأسير عليه أن يظل رهن إشارة المرتزقة، فهناك من يغسل الأواني، ومن ينفض له غطاء نومهم، وينظف لهم ملابسهم ويرعى غنمهم، نقوم  بالبناء ومفروض على الأسير أن ينجز 60 طوبة من الإسمنت منذ المراحل الأولى في عملية صنعها، تحت قساوة الطقس.

بعد عودتنا إلى بلدنا، لم نجد من يستقبلنا ولا مسكن يأوينا، سوى التهميش والإقصاء، ومعاناة هنا وهناك، خضنا معركة أخرى مع المؤسسات والسلطات من أجل المطالبة بحقوقنا المشروعة، نظمنا العديد من الوقفات أمام مجموعة من المؤسسات، ولدينا لجنة خاصة  مكونة من أفراد أسرى الحرب، تشرف على 2400 أسير.

كنا نعيش في جحيم البوليساريو، وللأسف كنا نظن أن عودتنا إلى وطننا الحبيب، سينسينا سنوات العذاب التي عشناها، لكن واجهنا الذل والهوان كل يوم نطالب بتحقيق مطالبنا لأن وطني ظلمني، ولم يمنحني منزل يأويني، بعد 39 سنة من العمل والتفاني والصبر على العذاب أحصل على  1500 درهم ولدي خمسة أبناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرة + أربعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى