أخبار الدار

ملاحظات جطو حول “أونسا”.. اعتراف بتقصير الحكومة في حماية المستهلكين

الدار/ جلال مدني

أثار المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره السنوي لسنة 2018، الكثير من الجدل، من جهة الترحيب بكشفه العديد من الخروقات وحتى الانتهاكات في عدد من المؤسسات العمومية، وضمنها وزارات، بيد أنه أثار ملاحظات وتحفظات حول بعض المؤاخذات الموجهة لبعض الهيئات، إلى درجة أن العديد من المراقبين وقفوا أمامها مشدوهين بكثير من التساؤلات، مثلما هو حاصل حاليا في ما يخص الاتهامات، التي وجهها مجلس الحسابات إلى "المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية"، المعروف اختصارا بـ"أونسا"…

أولا، يمكن اعتبار أن ما سجله تقرير جطو حول عمل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بمثابة كشفٍ لما يعتري المكتب من صعوبات، وليس اختلالات كما زعم البعض وحاول الركوب عليه لتبخيس عمله، فالتقرير لم يسجل أي تبذير مالي أو إداري كما انكشف ذلك وسط عدد من المؤسسات العمومية، بقدر ما أبرز أن عوائق كثيرة تحول دون أداء المكتب لمهامه الرقابية بالشكل المطلوب.

"عدم الاستقلالية والبقاء تحت الوصاية"، كما أورد تقرير جطو حول عمل "أونسا"، من أكبر العوائق التي يواجهها المكتب في عمله، ليس فقط لأن هذا رسم حدودا لتحركاته بشكل حدّ من تدخلاته، بل أيضا لأن مصالح هذه المؤسسة ظلت تشتغل بعدد قليل من الموارد البشرية في رقعة واسعة، فعدم استقلاليته وبقاؤه تحت الوصاية منعاه من استقدام أطر جديدة بعد إحالة العشرات إلى التقاعد سنة 2017، بسبب عدم تخصيص وزارة المالية لمناصب جديدة رغم أن مهام المراقبة، التي هي اختصاصه، تستدعي أكبر قدر من الموارد البشرية، وقدرا مماثلا من اللوجستيك، وهذا ما يغيب في المكتب لأنه في حُكم الموصى عليه.

لقد عاب قضاة جطو ضعف المراقبة الميدانية في عمل "أونسا"، لكن دون أن يثير الوضع الذي يوجد عليه المكتب، الذي لاحظ مراقبون أنه يجاهد للتغلب على إكراهات الخصاص الذي يعانيه، إذ تستدعي المراقبة الميدانية "جيشا" من البيطريين والمهندسين والتقنيين، وعشرات وسائل النقل، وهذا غير متوفر لدى المكتب. فلا يُعقل أن ينجح بضعة بيطريين وتقنيين في مراقبة مئات المجازر والرياشات في مدينة بحجم الدارالبيضاء، مثلا، التي تحتاج وحدها إلى جيش خاص من المراقبين، مع ما يتطلب ذلك من لوجستيك.

كما تحدث التقرير عن "غياب إطار قانوني يؤطر استخدام المواد المعدلة جينيا"، و"عجز السلطة الإدارية لمراقبي المكتب عن ردع المخالفين الذين ينتجون أو يخزّنون أو يوزعون منتجات غذائية غير مطابقة لمقتضيات القانون رقم 07.28"، والحال أن الأمر هنا يرتبط بفراغ قانوني لا يد للمكتب فيه، إذ تغيب النصوص المؤطرة لعمله في المجالين المذكورين، وقد تم اقتراح تتميم وتغيير القانون المؤسس للمكتب لتجاوز هذا الإشكال…

فضلا عن هذا، فعمل المهندسين التابعين للمكتب مرتبط بمسطرة معقدة، حددت مذكرة وزارية للداخلية طريقة التدخل.

دون أن نغفل، وهو معلوم لدى الجميع، تلك اللوبيات التي تعرقل أي عمل يحاربها في جني الملايين على حساب سلامة المستهلك المغربي، إذ يصل الأمر إلى اعتماد ممارسات احتيالية على المواد الكيماوية والمبيدات عن طريق تعديل تركيبة المبيد بإضافة منتجات أخرى، أو إعادة توضيب منتجات منتهية الصالحية. وقد اعترف مجلس جطو بأن مراقبي المكتب لا يتمتعون إلا بسلطة محدودة لفرض عقوبات إدارية على المخالفين، لأنهم لا يملكون صلاحية إقرار الإغلاق الكلي أو الجزئي للمؤسسة المخالفة، حيث لا يخول لهم القانون سوى إمكانية الحجز على البضائع غير المطابقة أو إخضاعها للإيداع القانوني في انتظار ظهور النتائج النهائية للمراقبة.

أما ما يتعلق بـ"صعوبة مراقبة المجازر والمذابح القروية للحوم الحمراء والمجازر التقليدية للدواجن"، يجب التذكير بأن المكتب مازال يعمل طبقا لنصوص تنظيمية قديمة، خاصة المتعلقة بمراقبة اللحوم. كما لا يجب إغفال أنه بالرغم من قرار المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية تعليق المراقبة الصحية للحوم في المجازر التي لا تتوفر على شروط السلامة الصحية، وتأكيد الهيئة الوطنية للبياطرة في المغرب على وجود ثمانية مجازر للحوم الحمراء فقط تحترم دفتر التحملات والدورية المشتركة التي صدرت عام 2012 بين وزيري الفلاحة والصيد البحري والداخلية، إلا أن هناك عدة مجازر ماتزال مستمرة في إخراج اللحوم الحمراء للبيع في الأسواق. ونحيل هنا إلى تقرير المجلس نفسه الذي أصدره قبل عامين حول المجازر، ودق فيه ناقوس الخطر لأن مئات المجازر لا تحترم المقتضيات ذات الصلة بالمراقبة وبيع اللحوم وتتبع مسار الذبائح، وأن 250 ألف طن من اللحوم الحمراء تأتي من مذابح غير مراقبة وسرية، وهو ما يعني أن هناك معضلة تتجاوز المكتب، حيث يطرح السؤال حول دور المجالس البلدية، وهذا ما أشار إليه المكتب "أونسا"، حين شدد على أن مجموعة من الملاحظات لا تدخل في أي حال من الأحوال ضمن تدبير المكتب وضمن اختصاصه، خاصة في أعلى السلسلة الغذائية وعلى مستوى أسفلها، وأشار إلى أن وزارة الصحة معنية، عبر مديرية الأوبئة ومكافحة الأمراض لتتبع الأوبئة والتصريح بالتسممات الغذائية الجماعية والأمراض التي لها علاقة بالتغذية، وأيضا وزارة الداخلية التي تتدخل على المستوى المحلي عبر المكاتب الصحية بالعمالات، وأقسام الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على تدخل الجماعات المحلية على مستوى نقط البيع والمطاعم الجماعية، مع العلم أن الاعتماد أو الترخيص الصحي لنقط البيع والمطاعم الجماعية لا يجب أن يمنح من طرف الجهات المعنية على أساس تقرير للجنة مختلطة يضم الرأي الصحي للمكتب، إلا أنه لا يتم أخذ رأيه دائما بعين الاعتبار.

هذه الإشارات تنطلق من وضع عام موجود في "أونسا"، ولا يمكن أن يفوت قضاة جطو، مما يجعل عددا من المراقبين يطرحون أسئلة قوية حول إغفال هذه الوضع في تسجيل ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى