أخبار الدار

عودة التقنوقراط.. هل فهم العثماني رسالة الكفاءات؟

الدار / رشيد عفيف

كل الأنباء المتواترة تؤكد أن الحكومة المرتقبة ستعرف عودة قوية للتقنوقراط. بعض التقارير تتحدث عن ست حقائب وزارية حساسة سيتقلدها مدراء مؤسسات عمومية أو مسؤولون ترابيون سابقون لا يحملون أي علامة حزبية معروفة. وبالنظر إلى تقليص حجم الحقائب الوزارية بالتخلص مما يقارب الثلث فسيصبح وزن الوزراء التقنوقراط معتبرا من الناحية العددية والنوعية أيضا. ومن غرائب المصادفات السياسية أن هذه العودة تتزامن مع وقائع تؤكد حقيقة الرداءة والاندحار الحزبي. ما حدث في اجتماع الدورة الاستثنائية للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية يوم الجمعة الماضية من شجار وتنابز سوقي يؤكد هذه الحقيقة، وما شهدته   دورة المجلس الوطني لشبيبة حزب ‘الحركة الشعبية’ اليوم من تبادل للاتهام وملاكمات وعراك يبين بالدليل أن الفاعل الحزبي يعيش أزمة أخلاقية عميقة.

وفي سياق هذه الأزمة الأخلاقية العميقة يبدو بروز التقنوقراط على مسرح الحكومة نتيجة طبيعية. فالأمر لا يقتصر فقط على المشاجرات والسب والقذف، أي أنه لا يتعلق فقط بقواعد التعامل الاجتماعي، وإنما بمعطى الانضباط الأخلاقي والنزاهة. فقبل مشاهد الحرب في مقر التقدم والاشتراكية أو الحركة الشعبية كانت تقارير مفتشي المجلس الأعلى للحسابات تجلد المسؤولين السياسيين الذين يحمل جلهم انتماءات حزبية سواء من الأغلبية أو المعارضة. وقد أكدت خلاصات هذه التقارير أن الفساد ظاهرة مستشرية في أوساط المنتخبين بدء من الجماعات الترابية وصولا إلى السلطة التنفيذية. هذا لا يعني أن التقنوقراط ملائكة، فقد شمل التقرير الكثير من المؤسسات العمومية التي يقودها مسؤولون تقنوقراطيون ولم ينجوا بدورهم من التلطخ بعار الفساد والتلاعبات.

ويأتي هذا المشهد الذي يعلن وفاة المعطى الأخلاقي عقب شهرين فقط من دعوة الملك محمد السادس في خطاب الذكرى العشرين لعيد العرش عن ضرورة تصعيد الكفاءات إلى مناصب المسؤولية. والظاهر أن الحروب والصراعات التي تشهدها الأحزاب وهيئاتها الموازية منذ ذلك الحين مخاض عسير تحاول من خلاله كفاءات هذه الأحزاب البروز من تحت جناح الديناصورات المسيطرة على مقاليد الأمور. ومن الواضح أن جل هذه الأحزاب تشهد تحولات من هذا النوع، تأملوا أزمة حزب الأصالة والمعاصرة المتواصلة، وتأملوا النقاشات التي تثيرها لقاءات حزب العدالة والتنمية وظهور بعض التيارات المعارضة، وكذلك الأمر بالنسبة لما حدث في حزب الكتاب.

قد يبدو الأمر للوهلة الأولى وكأنها معركة الاستحقاق الدائرة بين الكفاءات الحقيقية والانتهازيين الذين يملؤون الكثير من الهيئات السياسية. وفي ظل استمرار هيمنة الانتهازيين يجد رئيس الحكومة اليوم صعوبة في فرز الكفاءات المطلوبة للمناصب الوزارية التي سيطالها التغيير، وهذا ما يفسر من جهة أخرى لجوؤه إلى استوزار التقنوقراط بكثافة. يقدم التقنوقراط هنا على أنهم البديل للكفاءات الحزبية المفقودة أو تلك التي لا ترغب قياداتها في بروزها واعتلائها لمسرح المسؤوليات. وهذه القائمة التي رفعها سعد الدين العثماني ليقترح تشكيلة الحكومة الجديدة التي تمزج بين التقنوقراط والمتحزبين قد تعني أنه فهم رسالة الكفاءات.

التشكيلة المرتقبة إذا ينبغي أن تتضمن الكثير أو على الأقل بعض الوجوه الجديدة. هذا هو مضمون رسالة الكفاءات، يتعلق الأمر بإجراء تغيير في الأشخاص في طريق تحقيق التغيير الأعمق في الأسلوب والأداء. ومن المؤكد أن هذا التغيير بدأ أولا بتغيير تشكيلة الأغلبية التي عرفت بسبب أزمة التعديل الحكومي خروج حزب التقدم والاشتراكية. ومن المتوقع أن تعرف تقلص الحصيص الوزاري لبعض الأحزاب وهو أيضا تغيير قد يمس جوهر التحالف الحكومي ويضعه مجددا أمام اختبار الانسجام والتماسك الذي رسب فيه خلال السنتين الماضيتين.

ومن الواضح أن التعديل الحكومي الجاري هو الأصعب من بين كل التعديلات التي عرفتها الحكومات السابقة. لقد حظي بالكثير من الجدل والكولسة، ورفعت فيه كل الأحزاب عقيرتها بالتهديد والصراخ، ولم ينته بعد حتى تمخض عن شرخ في الأغلبية، ولا يزال يثير المزيد من الخلافات. يعزو البعض هذه الصعوبة من جهة إلى شخصية رئيس الحكومة الميال كثيرا إلى التوافق والمهادنة، لكن هذه الصعوبة تجد أيضا تفسيرها في صعوبة تحقيق المعادلة المطلوبة للجمع بين مزيج التقنوقراط والحزبيين. وفي هذا الإطار يتولد  سؤال سياسي لا يقل أهمية من سابقيه ويتعلق بمدى علاقة هذه العودة بتحضير ملعب الانتخابات المقبلة المرتقبة في 2021.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى